موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: كُلُّ نَقصٍ دَخَلَ على عِوضٍ أو مُعَوَّضٍ استَحَقَّ أرْشُه


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "كُلُّ نَقصٍ دَخَلَ على عِوَضٍ أو مُعَوَّضٍ استَحَقَّ أرْشُه" [5585] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (7/139)، ((تكملة المطيعي على المجموع)) (14/244). ، وصيغةِ: "كُلُّ جُملةٍ مَضمونةٍ بالمِثلِ يَكونُ النَّقصُ الدَّاخِلُ عليها بالجِنايةِ مَضمونًا بالأرشِ مِنَ القيمةِ دونَ المِثلِ" [5586] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/298)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/232)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (2/94). ، وصيغةِ: "إن نَقَصَتِ العَينُ المَغصوبةُ أو دَخَلَها عَيبٌ مِن طَريقِ الحُكمِ أوِ المُشاهَدةِ كذَهابِ عَينٍ أو طَرَفٍ أو ما يُعِدُّه التُّجَّارُ عَيبًا في العادةِ، فإنَّه يَرُدُّ العَينَ وأرْشَ ذلك العَيبِ" [5587] يُنظر: ((روضة القضاة)) لابن السمناني (3/1262). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ كُلَّ نَقصٍ دَخَلَ على عِوَضٍ أو مُعَوَّضٍ استَحَقَّ أرْشُه -أي المَبلَغُ المُستَرَدُّ مِن ثَمَنِ السِّلعةِ إذا ظَهَرَ فيها عَيبٌ- ولَم يَجُزْ مَعَ إمكانِ الأرشِ أن يَكونَ هَدرًا، فما كان مَضمونًا بالمِثلِ يَكونُ النَّقصُ الدَّاخِلُ عليه بالجِنايةِ مَضمونًا بالأرشِ مِنَ القيمةِ دونَ المِثلِ، وكَثيرًا ما يَكونُ هذا في الغَصبِ، فالعَينُ المَغصوبةُ إذا نَقَصَت أو دَخَلَها عَيبٌ، فإنَّ الغاصِبَ يَرُدُّ العَينَ وأرْشَ ذلك العَيبِ [5588] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (7/139)، ((روضة القضاة)) لابن السمناني (3/1262)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/232)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (2/94)، ((تكملة المطيعي على المجموع)) (14/244). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ الكَريمِ:
قال اللهُ تَعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البَقَرة: 194] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
تَدُلُّ الآيةُ على أنَّ الجانيَ لا يَجوزُ أن يُلزَمَ أكثَرَ مِن أرْشِ جِنايَتِه، ولا أن يُزادَ على ما أذهَبَ مِن مَنفعةِ العُضوِ الذي جَنى عليه، وأنَّ المُعتَديَ إذا اعتَدى باستِهلاكِ بَعضِ الشَّيءِ لم يَجُزْ أن يُعتَدى عليه باستِهلاكِ الكُلِّ [5589] يُنظر: ((شرح المختصر الكبير)) للأبهري (3/397)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (7/139)، ((تكملة المطيعي على المجموع)) (14/244). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- إذا اشتَرى إنسانٌ شاةً فذَبَحَها، ثُمَّ وَجَدَ بها بَعدَ الذَّبحِ عَيبًا فلَه الرُّجوعُ بأرشِها، فإن رَضيَ البائِعُ بقَبولِها مَذبوحةً فلا أرْشَ للمُشتَري لإمكانِ الرَّدِّ، ولا أُجرةَ على البائِعِ للذَّبحِ إن رُدَّت عليه؛ لأنَّ الذَّبحَ أثَرٌ هو نَقصٌ [5590] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (5/249). .
2- إذا اشتَرى إنسانٌ ثَوبًا ثُمَّ خاطَه المُشتَري، ثُمَّ وَجَدَ به بَعدَ الخياطةِ عَيبًا، استَحَقَّ أرْشَه بالعَيبِ، وإن رَضيَ البائِعُ بقَبولِه مَخيطًا؛ لأنَّ في الخياطةِ عَيبًا قائِمًا وأثَرًا زائِدًا [5591] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (5/249). .
3- إذا اشتَرى شَخصٌ حَبًّا وبَذَرَه، فنَبَتَ بَعضُه، ولَم يَنبُتْ بَعضُه، فادَّعى المُشتَري على البائِعِ أنَّ عَدَمَ إنباتِ البَعضِ لعَيبٍ فيه مَنَعَ مِن إنباتِه، فأنكَرَ البائِعُ، فإنَّ بَذرَ الحَبِّ على الوجهِ المَذكورِ يُعَدُّ إتلافًا له، فإن أثبَتَ المُشتَري عَيبَ المَبيعِ استَحَقَّ أرْشَه، وإلَّا فالقَولُ قَولُ البائِعِ في عَدَمِ العَيبِ [5592] يُنظر: ((حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج)) (4/39)، ((حاشية الجمل على شرح المنهج)) (3/134)، ((حاشية البجيرمي على الخطيب)) (3/38). .
4- إذا جَرَحَ لغَيرِه صَيدًا له مِثلٌ يَنقُصُ عُشرُ قيمَتِه، لزِمَه عُشرُ قيمةِ المِثلِ، وقيلَ: يَجِبُ عُشرُ المِثلِ إلَّا أن يَتَعَذَّرَ؛ لأنَّ كُلَّ جُملةٍ مَضمونةٍ بالمِثلِ يَكونُ النَّقصُ الدَّاخِلُ عليها بالجِنايةِ مَضمونًا بالأرشِ مِنَ القيمةِ دونَ المِثلِ [5593] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/232)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (2/94). .

انظر أيضا: