موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الثَّاني: مِنَ القَواعِدِ المُندَرِجةِ تَحتَ قاعِدةِ: كُلُّ نَقصٍ دَخَلَ على عِوضٍ أو مُعَوَّضٍ استَحَقَّ أرْشُه: فواتُ الوَصفِ المَشروطِ بمَنزِلةِ العَيبِ في إثباتِ الخيارِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "فواتُ الوصفِ المَشروطِ بمَنزِلةِ العَيبِ في إثباتِ الخيارِ" [5594] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (15/93). ، وصيغةِ: "فواتُ الوصفِ المَقصودِ كالعَيبِ في ثُبوتِ الخيارِ" [5595] يُنظر: ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (2/425). ، وصيغةِ: "يَثبُتُ الخيارُ لفواتِ الوصفِ المَشروطِ" [5596] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/217). ، وصيغةِ: "فواتُ الوصفِ المَرغوبِ فيه المُستَحَقِّ في العَقدِ بالشَّرطِ يوجِبُ التَّخييرَ" [5597] استعملها المرغيناني بمعناها في ((الهداية)) (3/33). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
المُرادُ بالخيارِ هنا: خيارُ فواتِ الوصفِ، وهو حَقُّ الفسخِ لتَخَلُّفِ وَصفٍ مَرغوبٍ اشتَرَطَه العاقِدُ في المَعقودِ عليه.
مِثلُ: أن يَشتَريَ إنسانٌ شَيئًا ويَشتَرِطَ فيه وصفًا مَرغوبًا له، كَمَنِ اشتَرى حِصانًا على أنَّه عَرَبيٌّ أصيلٌ فإذا هو هَجينٌ، أوِ اشتَرى جَوادًا على أنَّه سَريعُ المَشيِ في سُهولةٍ، فإذا هو بَطيءٌ، أو سَريعٌ في اضطِرابٍ وعُسرٍ، وكَذلك شِراءُ البَقَرةِ على أنَّها كَثيرةُ اللَّبَنِ زيادةً عنِ المُعتادِ في أمثالِها.
فتُفيدُ القاعِدةُ أنَّ فواتَ الوَصفِ المَشروطِ المُستَحَقِّ بالعَقدِ إنَّما يَكونُ بمَنزِلةِ العَيبِ، فيَكونُ سَبَبًا في إثباتِ خيارِ فواتِ الوَصفِ المَرغوبِ فيه؛ لأنَّه أنقَصُ مِمَّا شُرِط، وفواتُ الوصفِ لا يوجِبُ رَفعَ الأصلِ؛ لِما فيه مِن جَعلِ الأصلِ تَبَعًا للوصفِ، وإنَّما يوجِبُ التَّخييرَ؛ لأنَّ العاقِدَ ما رَضيَ بالعَينِ دونَ ذلك الوصفِ. وعلى ذلك: إذا وقَعَ غَلَطٌ في مَحَلِّ العَقدِ، وكان المَعقودُ عليه مُسَمًّى ومُشارًا إليه: فإنِ اختَلَف الجِنسُ تَعَلَّقَ العَقدُ بالمُسَمَّى وبَطَلَ لانعِدامِه، وإنِ اتَّحَدَ الجِنسُ واختَلَف الوصفُ تعَلَّق العَقدُ بالمُشارِ إليه، ويَنعَقِدُ لوُجودِه، ويُخَيَّرُ العاقِدُ لفواتِ الوصفِ؛ إن شاءَ أمضى العَقدَ، وإن شاءَ نَقضَه [5598] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (15/93)، ((البيان)) للعمراني (5/318)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/316)، ((العناية)) للبابرتي (6/333)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (2/23)، ((اللباب)) للميداني (2/15)، ((مرشد الحيران)) لقدري باشا (ص: 34)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (20/157). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (كُلُّ نَقصٍ دَخَلَ على عِوَضٍ أو مُعَوَّضٍ استَحَقَّ أرْشُهـ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ فواتَ الوَصفِ يُثبِتُ الخيارَ؛ حَيثُ إنَّه يُعَدُّ نَقصًا دَخَلَ على العَينِ، فيَثبُتُ الخيارُ لصاحِبِه، فإن رَضيَ بأخذِ الأرشِ مُقابلَ النَّقصِ فلَه ذلك.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (كُلُّ نَقصٍ دَخَلَ على عِوضٍ أو مُعَوَّضٍ استَحَقَّ أرْشُهـ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- إذا اشتَرى إنسانٌ كَبشًا مَثَلًا فإذا هو نَعجةٌ، أو بالعَكسِ، لا يَفسُدُ البَيعُ؛ لأنَّه اختِلافُ الوصفِ؛ إذِ الذُّكورةُ والأُنوثةُ وصفٌ في الحَيَوانِ، وهو يوجِبُ الخيارَ لا الفسادَ، فيَثبُتُ له الخيارُ؛ لفواتِ الوصفِ المَرغوبِ فيه، وفواتُه يوجِبُ التَّخييرَ؛ لأنَّ المُشتَريَ ما رَضيَ بالمَبيعِ دونَ ذلك الوصفِ، فيَتَخَيَّرُ، ولا يَفسُدُ العَقدُ؛ لأنَّ هذا الاختِلافَ -أي: الذي يَكونُ مِن حَيثُ فواتُ الوصفِ المَرغوبِ فيه هنا- راجِعٌ إلى اختِلافِ النَّوعِ؛ لقِلَّةِ التَّفاوُتِ في الأغراضِ، فلا يَفسُدُ العَقدُ بعَدَمِ ذلك الوصفِ [5599] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/53)، ((العناية)) للبابرتي (6/333). .
2- مَنِ اشتَرى ثَوبًا على أنَّه عَشَرةُ أذرُعٍ بعَشَرةِ دَراهمَ، أو أرضًا على أنَّها مِائةُ ذِراعٍ بمِائةِ دِرهَمٍ، فوجَدَها أقَلَّ: فالمُشتَري بالخيارِ؛ إن شاءَ أخَذَها بجُملةِ الثَّمَنِ، وإن شاءَ تَرك؛ لأنَّ الذِّراعَ وصفٌ في المَبيعِ، والوصفُ لا يُقابلُه شَيءٌ مِنَ الثَّمَنِ، كَأطرافِ الحَيَوانِ، فيَتَخَيَّرُ؛ لفواتِ الوصفِ المَذكورِ لتَغَيُّرِ المَعقودِ عليه، فيَختَلُّ الرِّضا [5600] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (3/25). ويُنظر أيضًا: ((حاشية ابن عابدين)) (5/215). .
3- إذا استَصنَعَ الرَّجُلُ عِندَ الرَّجُلِ خُفَّينِ، وشَرط عليه صِفةَ الجَودةِ، فنَعَله بنَعلٍ غَيرِ جَيِّدٍ، فلصاحِبِ الخُفِّ الخيارُ؛ لأنَّ فواتَ الوصفِ المَشروطِ بمَنزِلةِ العَيبِ في إثباتِ الخيارِ [5601] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (15/93). .
4- إذا باعَ شَيئًا على أن يَرهَنَ المُشتَري بالثَّمَنِ شَيئًا بعَينِه أو يُعطي كَفيلًا كذلك بعَينِه صَحَّ، ولا يُجبَرُ المُشتَريَ على الوفاءِ؛ لأنَّه غَيرُ لازِمٍ بمُجَرَّدِ الإيجابِ والقَبولِ قَبلَ القَبضِ، حَتَّى لو عَقَدَ الرَّهنَ لا يُجبَرُ على التَّسليمِ، فلا يُجبَرُ بمُجَرَّدِ الوعدِ بالأولى. وللبائِعِ فَسخُه لفواتِ الوَصفِ المَرغوبِ؛ لأنَّ الثَّمَنَ الذي به رَهنٌ أوثَقُ مِمَّا لا رَهنَ به، فصارَ الرَّهنُ صِفةً للثَّمَنِ، وهو وصفٌ مَرغوبٌ، فله الخيارُ بفَواتِه [5602] يُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (6/497). .

انظر أيضا: