موسوعة القواعد الفقهية

المَبحَثُ الحادي والعِشرونَ: العُقودُ لا يَجوزُ تَعليقُها


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "العُقودُ لا يَجوزُ تَعليقُها" [5463] يُنظر: ((شرح الخرشي على مختصر خليل)) (5/38). ، وصيغةِ: "العُقودُ لا تَقبَلُ التَّعليقَ" [5464] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (5/221)، ((القواعد)) للحصني (4/119). ، وصيغةِ: "تَعليقُ العُقودِ بالشُّروطِ لا يَجوزُ" [5465] يُنظر: ((الفروق)) للكرابيسي (1/184). ، وصيغةِ: "تَعليقُ التَّمليكِ بالشَّرطِ لا يَجوزُ" [5466] يُنظر: ((بذل النظر)) للأسمندي (ص: 48)، ((العناية)) للبابرتي (8/429). ، وصيغةِ: "لا يَجوزُ تَعليقُ التَّمليكِ" [5467] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/378)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/294). ، وصيغةِ: "تَعليقُ التَّمليكِ بالشَّرطِ لا يَصِحُّ" [5468] يُنظر: ((الفروق)) للكرابيسي (1/183). ، وصيغةِ: "تَعليقُ التَّمليكِ بالشَّرطِ باطِلٌ" [5469] يُنظر: ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (5/44). ، وصيغةِ: "عُقودُ المُعاوَضاتِ لا تَحتَمِلُ التَّعليقَ" [5470] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (13/40). ، وصيغةِ: "ما كان تَمليكًا مَحضًا لا يَدخُلُ فيه التَّعليقُ بالشَّرطِ" [5471] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/377). ، وصيغةِ: "تَعليقُ التَّمليكاتِ والتَّقييداتِ بالشَّرطِ باطِلٌ" [5472] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 318). ، وصيغةِ: "التَّمليكاتُ بأسرِها لا يَجوزُ تَعليقُها ولا إضافتُها" [5473] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/71)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/278). ، وصيغةِ: "التَّمليكاتُ مِمَّا لا تَحتَمِلُ التَّعليقَ بالخَطَرِ" [5474] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/117). ، وصيغةِ: "العُقودُ لا تُعَلَّقُ" [5475] يُنظر: ((شرح الخرشي على مختصر خليل)) (5/38). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
التَّعليقُ: هو رَبطُ حُصولِ مَضمونِ جُملةٍ بحُصولِ مَضمونِ جُملةٍ أُخرى بأداةٍ مِن أدَواتِ الشَّرطِ.
ومِثالُه في العُقودِ: أن يُعَلِّقَ أحَدُ المُتَعاقِدينِ الصَّفقةَ على رِضا أبيه، أو موافقةِ أحَدٍ مِنَ النَّاسِ، أو على قُدومِه.
وتُفيدُ القاعِدةُ أنَّ العُقودَ لا يَجوزُ تَعليقُ انعِقادِها على شَرطٍ، وسَبَبُ امتِناعِ التَّعليقِ في العُقودِ المُشتَمِلةِ على الإيجابِ والقَبولِ: خُروجُ الخِطابِ عن مَضمونِه؛ لأنَّ الأصلَ في العُقودِ أن تَكونَ مُنجزةً، والتَّنجيزُ في العُقودِ مَعناه عَدَمُ التَّعليقِ على الشَّرطِ، فيَتَرَتَّبُ عليها أثَرُها في الحالِ، والتَّعليقُ يَمنَعُ ذلك، فيَكونُ مُنافيًا لِما يَقتَضيه العَقدُ [5476] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (5/168)، ((القواعد)) للحصني (4/119)، ((شرح الخرشي على مختصر خليل)) (5/38)، ((المعاملات المالية)) للدبيان (9/49)، ((الفقه المنهجي)) لمصطفى الخِن وآخرين (7/150). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ، والأصلِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:
أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا يَحِلُّ مالُ امرِئٍ مُسلمٍ إلَّا بطِيبِ نَفسٍ مِنهـ)) [5477] أخرجه أحمد (20695)، والبزار كما في ((كشف الأستار)) للهيثمي (1524) واللفظ له، والبيهقي (11654) مِن حَديثِ حَنيفةَ عَمِّ أبي حَرَّةَ الرَّقاشيِّ رَضيَ اللهُ عنه. صَحَّحَه الألبانيُّ في ((صحيح الجامع)) (7662). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
يَدُلُّ الحَديثُ على أنَّ ما كان حِلًّا مَحضًا يَدخُلُه التَّعليقُ قَطعًا؛ لأنَّ طِيبَ النَّفسِ لا يَتَحَقَّقُ عِندَ الشَّرطِ، فدَلَّ على أنَّ ما كان تَمليكًا مَحضًا لا يَدخُلُ فيه التَّعليقُ بالشَّرطِ [5478] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/377). .
2- الاستِدلالُ بالأصلِ:
فإنَّ الأصلَ في العُقودِ أن تَكونَ مُنجزةً، والتَّعليقُ يَمنَعُ ذلك، فيَكونُ مُنافيًا لِما يَقتَضيه العَقدُ. كما أنَّ في التَّعليقِ مَعنى القِمارِ والمُخاطَرةِ؛ حَيثُ يَتَرَدَّدُ العَقدُ بَينَ الوُجودِ إذا تَحَقَّقَ الشَّرطُ، أوِ العَدَمِ إذا لم يَتَحَقَّقْ [5479] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (5/168)، ((المعاملات المالية)) للدبيان (9/50). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- لا يَجوزُ تَعليقُ البَيعِ على شَرطٍ، مِثلُ: بِعتُك إن قَدِمَ فلانٌ، أو إن كان فُلانٌ حاضِرًا، أو بِعتُك إن نَجَحَ ابني؛ لأنَّ عُقودَ التَّمليكِ تَقتَضي انتِقالَ المِلكيَّةِ في الحالِ، بمَعنى: أن يَتَرَتَّبَ على العَقدِ أثَرُه في الحالِ، والتَّعليقُ يَمنَعُ ذلك [5480] يُنظر: ((المعاملات المالية)) للدبيان (5/389). .
2- لا يَصِحُّ تَعليقُ عَقدِ الإجارةِ على شَرطٍ؛ إذِ الأصلُ في عَقدِ الإجارةِ أن يَكونَ العَقدُ مُنجَّزًا كغَيرِه مِنَ العُقودِ، فإذا لم يوجَدْ ما يَصرِفُ الصِّيغةَ عنِ التَّنجيزِ فإنَّ الإجارةَ تَبدَأُ مِن وقتِ العَقدِ، وتَكونُ مُنجَّزةً [5481] يُنظر: ((المعاملات المالية)) للدبيان (9/49). .
3- إذا عَلَّقَ النِّكاحَ على شَرطٍ، فقال: إن كانتِ ابنَتي قدِ انقَضَت عِدَّتُها فقد زَوَّجتُكها، أو إن كان إحدى نِسائِك ماتَت فقد زَوَّجتُك ابنَتي. فالنِّكاحُ باطِلٌ عِندَ الشَّافِعيَّةِ؛ بناءً على أنَّ العُقودَ لا تَقبَلُ التَّعليقَ، فلا يَصِحُّ تَعليقُ انعِقادِها على شَرطٍ [5482] يُنظر: ((القواعد)) للحصني (4/119). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءاتٌ:
يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ، مِنها:
1- إذا وُجِدَتِ الضَّرورةُ والحاجةُ لتَعليقِ العَقدِ، فيَجوزُ تَعليقُه استِثناءً مِنَ الأصلِ، وفي ذلك يَقولُ ابنُ القَيِّمِ: (تَعليقُ العُقودِ والفُسوخِ والتَّبَرُّعاتِ والالتِزاماتِ وغَيرِها بالشُّروطِ أمرٌ قد تَدعو إليه الضَّرورةُ أوِ الحاجةُ أوِ المَصلَحةُ، فلا يَستَغني عنه المُكَلَّفُ) [5483] ((إعلام الموقعين)) (4/378). .
2- يَجوزُ تَعليقُ صيغةِ الجَعالةِ عِندَ عامَّةِ الفُقَهاءِ، كما لو قال: إن رَدَدتَ ضالَّتي فلَك كَذا، وعَلَّلوا ذلك: بأنَّها تَعليقُ استِحقاقٍ بشَرطٍ، فتُشبِهُ الوصيَّةَ [5484] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (6/201)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (2/442)، ((المعاملات المالية)) للدبيان (10/50). .

انظر أيضا: