المَبحَثُ الثَّامِنَ عَشَرَ: قاعِدةُ: كُلُّ عَقدٍ أُعيدَ وجُدِّدَ فإنَّ الثَّانيَ باطِلٌ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "كُلُّ عَقدٍ أُعيدَ وجُدِّدَ فإنَّ الثَّانيَ باطِلٌ"
[5426] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 176). ، وصيغةِ: "الأصلُ أنَّ كُلَّ عَقدٍ أُعيدَ فالثَّاني باطِلٌ"
[5427] يُنظر: ((الدر المختار)) للحصكفي (ص: 541)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/509). ، وصيغةِ: "العَقدُ إذا جُدِّدَ وأُعيدَ فالثَّاني باطِلٌ"
[5428] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/145). ، وصيغةِ: "العَقدُ الثَّاني بَعدَ الأوَّلِ لَغوٌ"
[5429] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (5/87)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (3/330). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ المُتَعاقِدَينِ إذا عَقدا العَقدَ، ثُمَّ جَدَّداه وأعاداه مَرَّةً ثانيةً، فإنَّ العَقدَ الثَّانيَ يَكونُ باطِلًا؛ حَيثُ إنَّ الثَّانيَ يَكونُ سُدًى لا فائِدةَ فيه
[5430] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 176)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/509)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/145). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ. يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ والقَواعِدِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:- عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم:
((إذا بويِعَ لخَليفتَينِ فاقتُلوا الآخَرَ مِنهما)) [5431] أخرجه مسلم (1853). .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ المُبايِعَ الثَّانيَ شَقَّ عَصا الطَّاعةِ على الأوَّلِ بَعدَ أن أبرَمَ عَقدَ الإمامةِ له، فكانت لغوًا، فكَذا تَجديدُ العَقدِ بلا مُبَرِّرٍ يُعَدُّ عَبَثًا ولَغوًا.
- وعَن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم:
((لا تَسألِ المَرأةُ طَلاقَ أُختِها لتَستَفرِغَ صَحفَتَها، ولْتَنكِحْ؛ فإنَّ لها ما قُدِّرَ لها)) [5432] أخرجه البخاري (6601) واللفظ له، ومسلم (1408). .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّه نَهاها أن تُقَيِّدَ ذلك بطَلاقِ الزَّوجةِ الأولى؛ وما ذاكَ إلَّا لأنَّ سُؤالَها طَلاقَ الأُخرى فيه إبطالٌ لعَقدٍ صَحيحٍ مُبرَمٍ.
2- مِنَ القَواعِدِ:يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقَواعِدِ التَّاليةِ:
- قاعِدةُ: (المَشغولُ لا يُشغَلُ).
فالعَقدُ الأوَّلُ بَعدَ إبرامِه يُعَدُّ ساريًا ومَشغولًا، فتَجديدُه مُزاحَمةٌ للمَشغولِ.
- وقاعِدةُ: (إعمالُ الكَلامِ أَولى مِن إهمالِهـ).
فالعَقدُ الأوَّلُ تَصحيحٌ لمَضمونِه، وتَجديدُه إبطالٌ له وإهمالٌ.
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- إذا عَقَدَ البَيعَ أوَّلًا ثُمَّ عَقدَ ثانيًا على مِثلِ ثَمَنِ الأوَّلِ جِنسًا ووصفًا وقَدرًا، فالعَقدُ الثَّاني غَيرُ مُعتَبَرٍ، ويبقى العَقدُ الأوَّلُ على حالِه؛ لأنَّه لا يوجَدُ فائِدةٌ في العَقدِ الثَّاني، والعَقدُ إذا جُدِّدَ وأُعيدَ فالثَّاني باطِلٌ
[5433] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/145). .
2- الصُّلحُ بَعدَ الصُّلحِ باطِلٌ إذا كان الصُّلحُ على سَبيلِ الإسقاطِ بمَعنى الإبراءِ، وبُطلانُ الثَّاني ظاهِرٌ؛ لأنَّ كُلَّ عَقدٍ أُعيدَ وجُدِّدَ فإنَّ الثَّانيَ باطِلٌ. أمَّا إذا كان الصُّلحُ على عِوَضٍ، ثُمَّ اصطَلَحا على عِوضٍ آخَرَ، فالثَّاني هو الجائِزُ، ويُفسَخُ الأوَّلُ، كالبَيعِ
[5434] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 176)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/509). .
3- النِّكاحُ بَعدَ النِّكاحِ باطِلٌ؛ لأنَّ كُلَّ عَقدٍ أُعيدَ وجُدِّدَ فإنَّ الثَّانيَ باطِلٌ، فإذا تَزَوَّجَ رجُلٌ امرَأةً بمِائةِ دينارٍ، ثُمَّ تزَوَّجها ثانيًا بَعدَ يَومٍ بمِائةٍ وخَمسينَ: لا يَلزَمُ إلَّا المَهرُ الأوَّلُ فحَسبُ، ولا يَنفسِخُ العَقدُ الأوَّلُ؛ إذِ النِّكاحُ لا يحتَمِلُ الفسخَ
[5435] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 176)، ((غمز عيون البصائر)) للحموي (2/277). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استِثناءاتٌ:يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ، مِنها:
1- الشِّراءُ بَعدَ الشِّراءِ صَحيحٌ، إذا كان العَقدُ الثَّاني يَتَضَمَّنُ تَبديلَ الثَّمَنِ، أو كان أكثَرَ ثَمَنًا مِنَ الأوَّلِ، أو أقَلَّ، أو بجِنسٍ آخَرَ، فالعَقدُ الثَّاني صَحيحٌ؛ لمَكانِ الفائِدةِ مِنه، ويَنفسِخُ العَقدُ الأوَّلُ، ويَثبُتُ الانفِساخُ في ضِمنِه ضَرورةً لتَصحيحِ الثَّاني، ولا يَكونُ هذا زيادةً إلَّا إذا ذَكَرَ لفظًا يَدُلُّ على الزِّيادةِ
[5436] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 176)، ((الدر المختار)) للحصكفي (ص: 541)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/509)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/145). .
2- الكَفالةُ بَعدَ الكَفالةِ صَحيحةٌ؛ لزيادةِ التَّوثيقِ، فالمَكفولُ له إذا أخَذَ مِنَ الأصيلِ كَفيلًا آخَرَ بَعدَ الأوَّلِ لم يَبرَأِ الأوَّلُ
[5437] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 176)، ((الدر المختار)) للحصكفي (ص: 541)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/509). .