الفرعُ الرَّابعُ: الواحِدُ في المُعاوَضاتِ الماليَّةِ لا يَصلُحُ عاقِدًا مِنَ الجانِبَينِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الواحِدُ في المُعاوَضاتِ الماليَّةِ لا يَصلُحُ عاقِدًا مِنَ الجانِبَينِ"
[5413] يُنظر: ((شرح الزيادات)) لقاضي خان (2/736)، ((القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير)) لعلي الندوي (ص: 497). ، وصيغةِ: "الواحِدُ لا يَصلُحُ عاقِدًا مِنَ الجانِبَينِ في عُقودِ المُعاوَضاتِ"
[5414] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (7/34). ، وصيغةِ: "الواحِدُ لا يَتَولَّى العَقدَ مِنَ الجانِبَينِ"
[5415] يُنظر: ((شرح السير الكبير)) للسرخسي (ص: 1091)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/278)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (2/4)، ((الفتاوى الهندية)) (6/420). ، وصيغةِ: "الواحِدُ لا يَتَولَّى طَرَفيِ العَقدِ إلَّا إذا تَقبَّله مِنَ القاضي لنَفسِه، فحينَئِذٍ يَتمُّ لقيامِه باثنَينِ"
[5416] يُنظر: ((الإسعاف)) للطرابلسي (ص: 65)، ((منحة الخالق)) (5/261)، ((العقود الدرية)) (1/224) كلاهما لابن عابدين. ، وصيغةِ: "الواحِدُ لا يَتَولَّى طَرَفيِ القَبضِ"
[5417] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (4/472)، ((فتح الرحمن)) للرملي (ص: 595). ، وصيغةِ: "اتِّحادُ القابضِ والمُقبضِ مَمنوعٌ"
[5418] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 281). ، وصيغةِ: "لا يَتَّحِدُ القابضُ والمُقبِضُ"
[5419] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/259). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تَتَعَلَّقُ هذه القاعِدةُ بالعُقودِ في المُعاوَضاتِ الماليَّةِ، وهيَ تُفيدُ أنَّ الواحِدَ في المُعاوَضاتِ الماليَّةِ لا يَصلُحُ عاقِدًا مِنَ الجانِبَينِ؛ لأنَّ حُقوقَ العَقدِ فيها تَرجِعُ إلى العاقِدِ، فيُؤَدِّي إلى أن يَكونَ الشَّخصُ الواحِدُ في زَمانٍ واحِدٍ مُسَلِّمًا ومُتَسَلِّمًا، مُطالبًا ومُطالَبًا، مُستَزيدًا ومُستَنقِصًا، وهذا مُحالٌ؛ لِما فيه مِن رُجوعِ الحُقوقِ المُضادَّةِ والأحكامِ المُتَنافيةِ إلى الواحِدِ، ولأنَّ المُعاوَضةَ توجِبُ حَقًّا لكُلِّ واحِدٍ مِنَ المُتَعاقِدينِ على صاحِبِه، فيَصيرُ الشَّخصُ الواحِدُ قد وجَبَ الحَقُّ له على نَفسِه، وهذا مُمتَنِعٌ.
ويَصلُحُ الواحِدُ لأن يَكونَ رَسولًا مِنَ الجانِبَينِ؛ لأنَّ الرَّسولَ لا تَلزَمُه الحُقوقُ، فلا يُؤَدِّي إلى الاستِحالةِ، وكَذا القاضي يَتَولَّى العَقدَ مِنَ الجانِبَينِ؛ لأنَّ الحُقوقَ لا ترجِعُ إليه، فكان بمَنزِلةِ الرَّسولِ
[5420] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/135)، ((شرح الزيادات)) لقاضي خان (2/736)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (7/34)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/260)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 281). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (حُقوقُ العَقدِ تَتَعَلَّقُ بالعاقِدِ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ الواحِدَ لا يَصلُحُ عاقِدًا مِنَ الجانِبَينِ في المُعاوَضاتِ الماليَّة؛ لأنَّ حُقوقَ العَقدِ تَتَعَلَّقُ بالعاقِدِ، فيَستَحيلُ أن يَتَعَلَّقَ به حَقَّانِ مُتَضادَّانِ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (حُقوقُ العَقدِ تَتَعَلَّقُ بالعاقِدِ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- الواحِدُ لا يَصلُحُ أن يَكونَ عاقِدًا مِنَ الجانِبَينِ في البَيعِ؛ لِما فيه مِن رُجوعِ الحُقوقِ المُضادَّةِ والأحكامِ المُتَنافيةِ إلى الواحِدِ؛ فإنَّ البَيعَ يوجِبُ ضِدَّ ما يوجِبُه الشِّراءُ مِنَ الأحكامِ، فالواحِدُ إذا صارَ بائِعًا ومُشتَريًا يَرجِعُ إليه أحكامٌ مُتَضادَّةٌ، فإنَّه يَصيرُ مُطالبًا ومُطالَبًا، مُسَلِّمًا ومُتَسَلِّمًا، مُستَزيدًا ومُستَنقِصًا، وهذا مُمتَنِعٌ، ولأنَّ المُعاوَضةَ توجِبُ حَقًّا لكُلِّ واحِدٍ مِنَ المُتَعاقِدينِ على صاحِبِه، فالواحِدُ إذا صارَ بائِعًا ومُشتَريًا وجَبَ الحَقُّ له على نَفسِه، وهذا مُمتَنِعٌ
[5421] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (7/34). .
2- لا يَجوزُ أن يَكونَ الواحِدُ وكيلًا مِنَ الجانِبَينِ في بابِ البَيعِ في زَمانٍ واحِدٍ؛ لأنَّ الواحِدَ لا يَتَولَّى طَرَفيِ العَقدِ مِنَ الجانِبَينِ
[5422] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (28/33)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/136). .
3- الواحِدُ لا يَتَولَّى طَرَفيِ العَقدِ في الرَّهنِ كما لا يَتَولَّاهما في البَيعِ، فلا يَجوزُ للرَّاهنِ إنابةُ المُرتَهِنِ؛ لأنَّ الواحِدَ لا يَتَولَّى طَرَفيِ القَبضِ
[5423] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (4/421)، ((العزيز)) للرافعي (4/472)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/73). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استِثناءاتٌ:يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ، مِنها:
1- الأبُ إذا باعَ مِلكَه مِنِ ابنِه الصَّغيرِ، واشتَرى مالَ الصَّغيرِ لنَفسِه بمِثلِ قيمَتِه أو بما يَتَغابَنُ النَّاسُ فيه عادةً، فإنَّه يَجوزُ استِحسانًا؛ حَيثُ إنَّ الأبَ لكَمالِ شَفقَتِه قامَ شَخصُه مَقامَ شَخصَينِ، ورَأيُه مَقامَ رَأيَينِ، فيُجعَلُ كَأنَّه باع مِنه وهو كَبيرٌ بالغٌ؛ لأنَّ الظَّاهرَ أنَّه يختارُ ولَدَه على نَفسِه، فانتَفتِ التُّهمةُ مِنه؛ ولذا يُشتَرَطُ في هذا التَّصَرُّفِ ألَّا يَتَضَرَّرَ به الصَّغيرُ، فلَو باعَ بمِثلِ القيمةِ، أوِ اشتَرى بمِثلِ القيمةِ، جازَ
[5424] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/136)، ((شرح الزيادات)) لقاضي خان (2/736)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (3/569). .
2- يَجوزُ للوصيِّ على مالِ اليَتيمِ أن يَعقِدَ بكَلامٍ واحِدٍ مِنَ الجانِبَينِ، ويُشتَرَطُ فيه أن يَكونَ فيه نَفعٌ لليَتيمِ، فالوصيُّ إذا باعَ مالَ نَفسِه مِنَ الصَّغيرِ أوِ اشتَرى مالَ الصَّغيرِ لنَفسِه، ولَم يَكُنْ فيه نَفعٌ ظاهرٌ، فإنَّه لا يَجوزُ
[5425] يُنظر: ((تحفة الفقهاء)) لعلاء الدين السمرقندي (2/120)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/136)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (2/4). .