الفَرعُ الأوَّلُ: موجِبُ العَقدِ لا يَجوزُ أن يَثبُتَ بغَيرِ العاقِدِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "موجِبُ العَقدِ لا يَجوزُ أن يَثبُتَ بغَيرِ العاقِدِ"
[5378] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (21/78). ، وصيغةِ: "موجِبُ العَقدِ إذا وليَه العاقِدُ جازَ، وإن وكَّلَ به جازَ"
[5379] يُنظر: ((شرح مختصر الكرخي)) للقدوري (3/359). ، وصيغةِ: "العُقودُ إنَّما وجَبَت موجِباتُها؛ لإيجابِ المُتَعاقِدينِ لها على أنفُسِهما"
[5380] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (20/156). ، وصيغةِ: "كُلُّ مُتَعاقِدَينِ دَخَلا في عَقدٍ فدُخولُهما فيه اعتِرافٌ منهما بلُزومِ موجِبِ العَقدِ مِنَ الحُقوقِ"
[5381] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/576). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.المُرادُ بموجِبِ العَقدِ: ما يَثبُتُ بالعَقدِ المُطلَقِ مِنَ الحُقوقِ.
والعَقدُ المُطلقُ يَرجِعُ في موجِبِه إلى العُرفِ، كما يوجِبُ العَقدُ المُطلقُ في البَيعِ النَّقدَ المَعروفَ؛ فإن شَرَطَ أحَدُهما على صاحِبِه شَرطًا لا يُحَرِّمُ حَلالًا ولا يُحَلِّلُ حَرامًا فالمُسلِمونَ عِندَ شُروطِهم؛ فإنَّ موجِباتِ العُقودِ تُتَلَقَّى مِنَ اللَّفظِ تارةً، ومِنَ العُرفِ تارةً أُخرى؛ لكِنْ كِلاهما مُقَيَّدٌ بما لم يُحَرِّمْه اللَّهُ ورَسولُه؛ فإنَّ لكُلٍّ مِنَ العاقِدينِ أن يوجِبَ للآخَرِ على نَفسِه ما لم يَمنَعْه اللهُ مِن إيجابِه.
وتُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الأحكامَ التي تَجِبُ وتَنشَأُ عنِ العَقدِ لا يَجوزُ أن تَثبُتَ إذا لم يوجَدْ عاقِدٌ، مِن أصيلٍ أو وكيلٍ أو فُضوليٍّ؛ لأنَّ العاقِدَ هو الذي يَتَحَمَّلُ مسؤوليَّةَ العَقدِ وما يَتَرَتَّبُ عليه مِن أحكامٍ وواجِباتٍ وحُقوقٍ
[5382] يُنظر: ((شرح مختصر الكرخي)) للقدوري (3/359)، ((المبسوط)) للسرخسي (8/2) و(21/78)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (34/91)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (11/1129). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (حُقوقُ العَقدِ تَتَعَلَّقُ بالعاقِدِ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ موجِبَ العَقدِ مِن حُقوقِ العَقدِ، وحُقوقُ العَقدِ إنَّما تَتَعَلَّقُ بالعاقِدِ، فلا يَجوزُ أن تَثبُتَ بغَيرِ العاقِدِ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (حُقوقُ العَقدِ تَتَعَلَّقُ بالعاقِدِ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- إذا عَجَزَ العاقِدُ عنِ المُضيِّ في موجِبِ العَقدِ انفسَخَ العَقدُ، كما لوِ استَأجَرَ شَخصٌ رَجُلًا على قَلعِ الضِّرسِ، ثُمَّ سَكَنَ الضِّرسُ. أوِ استَأجَرَ طَبيبًا على قَطعِ اليَدِ المُتَآكِلةِ، ثُمَّ بَرِئَتِ اليَدُ قَبلَ التَّنفيذِ، أوِ استَأجَرَ على استيفاءِ القِصاصِ، ثُمَّ سَقَطَ بالعَفوِ، فهنا يَنفسِخُ العَقدُ؛ لعَجزِ العاقِد عنِ المُضيِّ في موجِبِ العَقدِ شَرعًا
[5383] يُنظر: ((المعاملات المالية)) للدبيان (7/319). .
2- إذا قَبَضَ رَبُّ السَّلَمِ السَّلَمَ (وهو بَيعُ شَيءٍ مَوصوفٍ مُؤَجَّلٍ بثَمَنٍ مُعَجَّلٍ) أو وكَّلَ بقَبضِه، جازَ؛ وذلك لأنَّ القَبضَ موجِبُ العَقدِ، وموجِبُ العَقدِ إذا وليَه العاقِدُ جازَ، وإن وكَّلَ به جاز؛ لأنَّ وكَيلَه يَقومُ مَقامَه، فكَأنَّه قَبَضَ بنَفسِه
[5384] يُنظر: ((شرح مختصر الكرخي)) للقدوري (3/359). .
3- إذا جُعِلَ خيارُ الشَّرطِ لشَخصٍ مِن غَيرِ المُتَعاقِدينِ ففيه قَولانِ: أحَدُهما: لا يَصحُّ؛ لأنَّه حُكمٌ مِن أحكامِ العَقدِ فلا يَثبُتُ لغَيرِ المُتَعاقِدينِ كَسائِرِ الأحكامِ. والثَّاني: يَصِحُّ لأنَّ خيارَ الشَّرطِ جُعِلَ إلى شَرطِهما للحاجةِ، ورُبَّما دَعَتِ الحاجةُ إلى شَرطِه للأجنَبيِّ بأن يَكونَ أعرَفَ بالمَتاعِ مِنهما
[5385] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (2/5). ويُنظر أيضًا: ((الاختيار)) للموصلي (2/14)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (2/30). .