موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: حُقوقُ العَقدِ تَتَعَلَّقُ بالعاقِدِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "حُقوقُ العَقدِ تَتَعَلَّقُ بالعاقِدِ" [5364] يُنظر: ((التجريد)) (6/3121)، ((شرح مختصر الكرخي)) (3/231) كلاهما للقدوري، ((المبسوط)) للسرخسي (10/206)، ((روضة القضاة)) لابن السمناني (1/403)، ((بحر المذهب)) للروياني (6/86)، ((تحفة الفقهاء)) لعلاء الدين السمرقندي (2/101)، ((الفروق)) للكرابيسي (2/80). ، وصيغةِ: حُقوقُ العَقدِ تَثبُتُ للعاقِدِ [5365] يُنظر: ((شرح مختصر الكرخي)) للقدوري (3/181). ، وصيغةِ: حُقوقُ العَقدِ مُقتَصِرةٌ على العاقِدِ [5366] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/232). ، وصيغةِ: حُقوقُ العَقدِ تُعَلَّقُ بالعاقِدِ دونَ مَن عُقِدَ له [5367] يُنظر: ((روضة القضاة)) لابن السمناني (1/403). ، وصيغةِ: العاقِدُ في حُقوقِ العَقدِ مُستَبِدٌّ به [5368] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (13/120). ، وصيغةِ: حُقوقُ العَقدِ تَتَعَلَّقُ بالمُتَعاقِدينِ [5369] يُنظر: ((مختصر اختلاف العلماء للطحاوي)) للجصاص (3/159)، ((التجريد)) للقدوري (5/2281). ، وصيغةِ: حُقوقُ العَقدِ تَتَعَلَّقُ بالعاقِدِ، وكيلًا كان أو مُباشِرًا لنَفسِه [5370] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/174)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (6/184). ، وصيغةِ: العاقِدُ لغَيرِه في حُقوقِ العَقدِ بمَنزِلةِ العاقِدِ لنَفسِه [5371] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (13/125). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
حُقوقُ العَقدِ هيَ: قَبضُ المالِ المُشتَرى، وأداءُ ثَمنِه، وقَبضُ ثَمَنِ المالِ المَبيعِ، وتَوكيلُ آخَرَ بقَبضِ ذلك الثَّمَنِ، وتَأجيلُ ثَمَنِ المالِ المَبيعِ، وهِبةُ الثَّمَنِ المَذكورِ للمُشتَري، وإبراءُ المُشتَري مِن ثَمَنِه، والحَطُّ مِن ثَمَنِ المَبيعِ مُقابِلَ عَيبِه، ورَدُّ المالِ المَبيعِ بخيارِ العَيبِ، والإقرارُ بالعَيبِ.
وتُفيدُ القاعِدةُ أنَّ حُقوقَ العَقدِ تَتَعَلَّقُ بالمُتَعاقِدينِ وإن كانا وكيلَينِ لغَيرِهما، ويَثبُتُ لهما حَقُّ القَبضِ، وعليهما حَقُّ التَّسليمِ، وهذا الذي يَتَولَّى الرَّدَّ بالعَيبِ دونَ الآمِرِ، ولا يُبالي حَضَر الآمِرُ أم غاب، فالحُقوقُ تَتَعَلَّقُ بالعاقِدِ دونَ مَن عُقِدَ له، وكَذا العاقِدُ لغَيرِه إذا كان مِمَّن يَجوزُ أن تَلزَمَه الخُصومةُ، كالوكيلِ، والشَّريكِ، والمُضارِبِ، فالخُصومةُ تَلزَمُهم؛ لأنَّها مِن حُقوقِ العَقدِ، وحُقوقُ العَقدِ تَتَعَلَّقُ بالعاقِدِ إذا كان مِمَّن تَلزَمُه الخُصومةُ، كالعاقِدِ لنَفسِه، فمَهما قُضيَ به على العاقِد رَجَعَ به على مَن وقَعَ العَقدُ له؛ لأنَّه قائِمٌ مَقامَه [5372] يُنظر: ((مختصر اختلاف العلماء للطحاوي)) للجصاص (3/159)، ((شرح مختصر الكرخي)) للقدوري (3/231)، ((روضة القضاة)) لابن السمناني (1/403)، ((مجلة الأحكام العدلية)) (ص: 265)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (3/398). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالإجماعِ:
ومِمَّن نَقَلَه: الجَصَّاصُ [5373] قال: (الدَّليلُ على أنَّ حُقوقَ العَقدِ مُتَعَلِّقةٌ بالمُتَعاقِدينِ فيما قدَّمنا بَدءًا: اتِّفاقُ الفُقَهاءِ على جَوازِ صَرفِ الوكيلَينِ مَعَ غَيبةِ الموكِّلينِ عَن مَجلِسِ العَقدِ، والقَبضُ في المَجلسِ مِن حُقوقِ عَقدِ الصَّرفِ، فلَمَّا تعَلَّق ذلك بحُضورِهما دونَ حُضورِ الموكِّلينِ دَلَّ ذلك على أنَّ حُقوقَ عَقدِ البَيعِ ونَظائِرِه مُتَعَلِّقةٌ بالمُتَعاقِدينِ، فيَثبُتُ قَبضُ الثَّمَنِ للوكيلِ بالبَيعِ دونَ الموكِّلِ. ويَدُلُّ عليه أيضًا: اتِّفاقُ الجَميعِ على أنَّ الوكيلَ بالبَيعِ مُطالَبٌ بتَسليمِ المَبيعِ). ((شرح مختصر الطحاوي)) (3/275). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- إذا شَرط أحَدُ المُتَبايِعينِ الخيارَ لإنسانٍ من أهلِه أو مِن غَيرِهم، صَحَّ الشَّرطُ، وثَبَتَ الخيارُ له، وكان المَشروطُ له وكيلَه فيه؛ لأنَّه شَرطَ الخيارَ لمَن يَصِحُّ عَقدُه، فصارَ كما لو شَرط لنَفسِه، والدَّليلُ على أنَّ الخيارَ يَثبُتُ للعاقِدِ أنَّه لمَّا شُرِط في العَقدِ صارَ مِن حُقوقِه، وحُقوقُ العَقدِ تَتَعَلَّقُ بالمُتَعاقِدينِ [5374] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (5/2281)، ((المبسوط)) للسرخسي (13/47). .
2- تَجوزُ الحَوالةُ والكَفالةُ برَأسِ المالِ في السَّلَمِ (وهو بَيعُ شَيءٍ مَوصوفٍ مُؤَجَّلٍ بثَمَنٍ مُعَجَّلٍ) إذا قَبَضَه المُسَلَّمُ إليه في المَجلسِ قَبلَ أن يُفارِقَه رَبُّ السَّلَمِ؛ لأنَّ القَبضَ مِن حُقوقِ العَقدِ، وحُقوقُ العَقدِ ثَبَتَت بَينَ المُتَعاقِدينِ، فاعتُبِرَ افتِراقُهما دونَ افتِراقِ الكَفيلِ والمُحالِ عليه [5375] يُنظر: ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (3/133)، ((شرح مختصر الكرخي)) للقدوري (3/335). .
3- إذا باعَ الوكيلُ، ثُمَّ أبرَأ مِنَ الثَّمَنِ، جازَت بَراءَتُه، وضَمِن للمُوَكِّلِ. وهذا بناءً على أنَّ حُقوقَ العَقدِ تَتَعَلَّقُ بالعاقِدِ، والدَّينُ في الذِّمَّةِ هو والمُطالبةُ من حُقوقِ العَقدِ، والعاقِدُ مِمَّن يَملكُ إسقاطَ حَقِّ نَفسِه، والدَّينُ يَقبَلُ الإسقاطَ [5376] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (6/3120). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءاتٌ:
يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ، وهيَ ما لا يَجوزُ أن يَنقُلَه مُستَحِقُّه إلى غَيرِه، ولا أن يوجِبَ فيها حَقًّا لغَيرِه، فحُقوقُه لا تَتَعَلَّقُ بالعاقِدِ، وإنَّما تَتَعَلَّقُ بالمَعقودِ له، وذلك كالنِّكاحِ، والخُلعِ، والطَّلاقِ على مالٍ، والصُّلحِ مِن دَمِ العَمدِ، والعَفوِ على مالٍ.
فمَثَلًا: حُقوقُ النِّكاحِ لا تَتَعَلَّقُ بالعاقِدِ، وإنَّما تَتَعَلَّقُ بالمَعقودِ له؛ فإنَّ النِّكاحَ يُضافُ إلى المَعقودِ له لا إلى العاقِدِ، فلَيسَ للوكيلِ ولا للرَّسولِ ولا للوليِّ، ولا عليهم مِن حُقوقِ العَقدِ شَيءٌ، لا يُطالِبونَ ولا يُطالَبونَ بما تَولَّوه من عَقدِ النِّكاحِ؛ وذلك لأنَّ العاقِدَ في النِّكاحِ سَفيرٌ ومُعَبِّرٌ، بدَلالةِ أنَّ المَعقودَ عليه لا يَنتَقِلُ إليه، فلم يَتَعَلَّقْ به حُقوقُه كالرَّسولِ [5377] يُنظر: ((التجريد)) (6/3136)، ((شرح مختصر الكرخي)) (3/460) و(8/134) كلاهما للقدوري، ((المبسوط)) للسرخسي (4/227). .

انظر أيضا: