الفرعُ الثَّالثُ: الشَّرطُ إذا وُجِدَ في المَجلِسِ يَلتَحِقُ بأصلِ العَقدِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الشَّرطُ إذا وُجِدَ في المَجلسِ يَلتَحِقُ بأصلِ العَقدِ"
[5355] يُنظر: ((تكملة السبكي على المجموع)) (10/169). ، وصيغةِ: "الشَّرطُ إن كان في مَجلِسِ العَقدِ فيُلحَقُ الشَّرطُ بالعَقدِ، وإن كان بَعدَه فلا"
[5356] يُنظر: ((العرف الشذي شرح سنن الترمذي)) للكشميري (3/33). ، وصيغةِ: "لو ذُكِرَ الشَّرطُ بَعدَ العَقدِ يَلتَحِقُ بالعَقدِ"
[5357] يُنظر: ((الدر المختار)) للحصكفي (ص: 449). ، وصيغةِ: "الشَّرطُ بَعدَ العَقدِ يَلتَحِقُ بأصلِ العَقدِ"
[5358] يُنظر: ((غمز عيون البصائر)) للحموي (3/100)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/172). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الشَّرطَ الصَّحيحَ إذا لم يَكُنْ في صُلبِ العَقدِ، ثُمَّ وُجِدَ بَعدَه في المَجلسِ، فإنَّه يَلتَحِقُ بأصلِ العَقدِ، فإذا وُجِدَ يُجعَلُ كَأنَّه وُجِدَ في صُلبِ العَقدِ ابتِداءً؛ حَيثُ إنَّ للمُتَعاقِدينِ وِلايةَ الاشتِراط بَعدَ العَقدِ، فيَلتَحِقُ الشَّرطُ بأصلِ العَقدِ، والذي يَظهَرُ أنَّ الشَّرطَ إن كان بحَيثُ لو شُرِط في العَقدِ يُفسِدُه، فإنَّه إذا شُرِط بَعدَ العَقدِ يَلغو أو لا يَلزَمُ الوفاءُ به، كاشتِراطِ بائِعِ الزَّرعِ على نَفسِه بَعدَ العَقدِ أن يَسقيَه ويَقومَ عليه. وإن كان لو شُرِط في العَقدِ يَكونُ جائِزًا ومَرعيًّا فإنَّه إذا شُرِطُ بَعدَ العَقدِ يَلزَمُ الوفاءُ به، كما لو شَرَط خيارَ الشَّرطِ بَعدَ العَقدِ، فالظَّاهِرُ أنَّه يَلزَمُ الوفاءُ به
[5359] يُنظر: ((تحفة الفقهاء)) لعلاء الدين السمرقندي (3/34)، ((الدر المختار)) للحصكفي (ص: 449)، ((حاشية ابن عابدين)) (5/278)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/240)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 422). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (المَجلِسُ حَريمُ العَقدِ ولَه حُكمُه في الابتِداءِ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ الشَّرطَ إذا وُجِدَ في مَجلِسِ العَقدِ يُجعَلُ كالمَوجودِ في العَقدِ، فيُلحَقُ به حُكمًا؛ لأنَّ المَجلسَ حَريمُ العَقدِ ويَأخُذُ حُكمَه في الابتِداءِ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقَواعِدِ الآتيةِ:
1- القاعِدةُ الأُمُّ: (المَجلِسُ حَريمُ العَقدِ ولَه حُكمُه في الابتِداءِ).
2- قاعِدةُ: (المُلحَقُ بالعَقدِ يُعَدُّ واقِعًا فيهـ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- اشتِراطُ الأجَلِ بَعدَ العَقدِ يَلتَحِقُ بالعَقدِ في الثَّمَنِ والأُجرةِ والصَّداقِ وسائِرِ الأعواضِ
[5360] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (4/125). .
2- إذا تَصارَف رَجُلانِ ذَهَبًا بذَهَبٍ، أو فِضَّةً بفِضَّةٍ، مِثلًا بمِثلٍ، وتَمَّ التَّقابُضُ بَينَهما، وافتَرَقا، ثُمَّ زادَ أحَدُهما صاحِبَه شَيئًا وقَبلَ الآخَرُ: فسَدَ البَيعُ عِند أبي حَنيفةَ؛ لأنَّ هذا الشَّرطَ يَلتَحِقُ بالعَقدِ ويُفسِدُ العَقدَ، فإذا وُجِدَتِ الزِّيادةُ بَعدَ انعِقادِ العَقدِ، التَحَقَت بأصلِ العَقدِ، فكَأنَّ العَقدَ وُجِدَ مُنذُ إنشائِه على هذا النَّحوِ مُشتَمِلًا على الزِّيادةِ في أحَدِ العِوَضينِ، فيَفسُدُ العَقدُ بسَبَبِ التَّفاضُلِ في مالٍ رِبَويٍّ؛ لأنَّ العِوَضينِ مِن جِنسٍ واحِدٍ، فيَتَحَقَّقُ الرِّبا.
وقال أبو يوسُفَ: الزِّيادةُ باطِلةٌ لاغيةٌ، والعَقدُ الأوَّلُ صَحيحٌ؛ لأنَّ الشَّرطَ الفاسِدَ لا يَلتَحِقُ بالعَقدِ
[5361] يُنظر: ((تحفة الفقهاء)) لعلاء الدين السمرقندي (3/34)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/216)، ((الفقه الإسلامي وأدلتهـ)) لوهبة الزحيلي (5/3689). .
3- إذا ألحَقَ المُتَعاقِدانِ بالعَقدِ خيارَ الشَّرطِ، جازَ عِند أبي حَنيفةَ، فإن كان خيارًا جائِزًا لم يُفسِدِ العَقدَ، وإن كان فاسِدًا التَحَقَ وأفسَدَ العَقدَ؛ لأنَّ العَقدَ في مِلكِهما، فمَلَكا إثباتَ الخيارِ الفاسِدِ فيه، كَحالِ العَقدِ.
وقد قال أبو يوسُفَ ومُحَمَّدٌ: يَلحَقُ العَقدَ الصَّحيحَ دونَ الفاسِدِ؛ لأنَّ الشُّروطَ الفاسِدةَ لا تَلحَقُ العَقدَ إذا شُرِطَت بَعدَ العَقدِ، وهذا شَرطٌ فاسِدٌ، فلا يُلحَقُ بالعَقدِ
[5362] يُنظر: ((شرح مختصر الكرخي)) للقدوري (3/153). .
4- إذا قُلتَ للمُشتَري: بعتُك هذه السَّيَّارةَ، وبَعدَ أن تَمَّ العَقدُ بالإيجابِ والقَبولِ قُلتَ: أنا أشتَرِطُ عليك أن أُسافِرَ بها إلى مَكَّةَ، يَصِحُّ؛ لأنَّه في زَمَنِ الخيارِ
[5363] يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (8/224). .