موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: القَبضُ في المَجلسِ يَجري مَجرى القَبضِ حالةَ العَقدِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "القَبضُ في المَجلسِ يَجري مَجرى القَبضِ حالةَ العَقدِ" [5330] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (6/104)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (12/117)، ((فتح العلام)) لمحمد علي البعداني (6/92). ، وصيغةِ: "قَبضُ رَأسِ المالِ في المَجلسِ كالمُقتَرِنِ بالعَقدِ" [5331] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (12/143). ، وصيغةِ: "التَّعيينُ بالقَبضِ في المَجلِسِ يجعَلُ ذلك كالمَوجودِ عِندَ العَقدِ" [5332] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (14/3). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ حالةَ المَجلسِ تُقامُ مَقامَ حالةِ العَقدِ في القَبضِ شَرعًا للتَّيسيرِ؛ فإنَّ الشَّرعَ جَعَلَ ساعاتِ المَجلسِ كَحالةِ العَقدِ؛ تَيسيرًا للمُتَعاقِدينِ [5333] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (12/144) و(14/3)، ((المغني)) لابن قدامة (6/104)، ((القواعد)) لابن رجب (1/322). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (المَجلِسُ حَريمُ العَقدِ ولَه حُكمُه في الابتِداءِ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّه لمَّا كان المَجلسُ حَريمًا للعَقدِ ويَأخُذُ حُكمَه، كان القَبضُ في مَجلِسِ العَقدِ قَبلَ التَّفرُّقِ كالقَبضِ حالةَ إبرامِ العَقدِ، فما يَتِمُّ في المَجلسِ قَبلَ تَفرُّقِ المُتَعاقِدينِ كَأنَّه تَمَّ حالةَ إبرامِ العَقدِ مِنهما.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ والقَواعِدِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:
عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا تَبيعوا الذَّهَبَ بالذَّهَبِ إلَّا مِثلًا بمِثلٍ، ولا تُشِفُّوا بَعضَها على بَعضٍ ... ولا تَبيعوا مِنها غائِبًا بناجِزٍ )) [5334] أخرجه البخاري (2177)، ومسلم (1584). . وفي لفظٍ: "إلَّا يَدًا بيَدٍ" [5335] أخرجه مسلم (1584). . وفي لفظٍ: "إلَّا وَزنًا بوزنٍ، مِثلًا بمِثلٍ، سَواءً بسَواءٍ)) [5336] أخرجه مسلم (1584) .
وَجهُ الدَّلالةِ:
يَدُلُّ الحَديثُ على اشتِراطِ القَبضِ في المَجلِسِ، ولا بَأسَ بالتَّأخيرِ ما داما في المَجلسِ [5337] يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (11/13)، ((العدة)) لابن العطار (2/1169)، ((الإعلام)) لابن الملقن (7/329)، ((الكوثر الجاري)) للكوراني (4/442)، ((فتح المنعم)) لموسى لاشين (6/325). .
2- مِنَ القَواعِدِ:
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (المَجلِسُ حَريمُ العَقدِ ولَه حُكمُه في الابتِداءِ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- الصَّرفُ بَيعُ نَقدٍ بنَقدٍ، والقَبضُ في المَجلِسِ شَرطٌ لصِحَّتِه، فيَجِبُ قَبضُ البَدَلَينِ في المَجلسِ، وألَّا يَكونَ فيه شَرطُ خيارٍ أو أجَل؛ لأنَّ هذا العَقدَ اختَصَّ باسمٍ فيَختَصُّ بحُكمٍ يَقتَضيه ذلك الاسمُ؛ فإنَّه يُسَمَّى صَرفًا لِما فيه مِن صَرفِ ما في يَدِ كُلِّ واحِدٍ مِنهما إلى يَدِ صاحِبِه، وسُمِّي به لاستِحقاقِ قَبضِ البَدَلَينِ في المَجلسِ، ولأنَّ هذا العَقدَ مُبادَلةُ الثَّمَنِ بالثَّمَنِ، والثَّمَنُ يَثبُتُ بالعَقدِ دَينًا في الذِّمَّةِ، والدَّينُ بالدَّينِ حَرامٌ في الشَّرعِ، فما يَحصُلُ به التَّعيينُ -وهو القَبضُ- لا بُدَّ مِنه في هذا العَقدِ، وكان يَنبَغي أن يُشتَرَطَ مَقرونًا بالعَقدِ، إلَّا أنَّ حالةَ المَجلسِ تُقامُ مَقامَ حالةِ العَقدِ شَرعًا؛ للتَّيسيرِ، وإذا وُجِدَ التَّعيينُ بالقَبضِ في المَجلسِ يُجعَلُ ذلك كالمَوجودِ عِندَ العَقدِ [5338] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (14/3). ويُنظر أيضًا: ((المغني)) لابن قدامة (6/104)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (12/117)، ((الإقناع)) للحجاوي (2/121)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (8/41). .
2- يَمتَدُّ حَقُّ الشَّفيعِ في الشُّفعةِ [5339] هيَ: انتِزاعُ الإنسانِ حِصَّةَ شَريكِه مِن مُشتَريها بمِثل ثَمَنِها. يُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (2/232). ما دامَ في المَجلسِ وإن طالَ، ما لم يَتَشاغَلْ عن طَلَبِ الشُّفعةِ بعَمَلٍ أجنَبيٍّ، فإن قامَ عنِ المَجلسِ أو تَشاغَلَ عن طَلَبِ الشُّفعةِ بعَمَلٍ أجنَبيٍّ، بَطَلَت شُفعَتُه؛ لأنَّ حالةَ المَجلسِ كَحالةِ العَقدِ، بدَليلِ أنَّ القَبضَ في مَجلِسِ العَقدِ فيما يُشتَرَطُ لصِحَّتِه القَبضُ كالقَبضِ حالةَ العَقدِ [5340] يُنظر: ((المعاملات المالية)) للدبيان (10/181). .

انظر أيضا: