موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: المَجلسُ حَريمُ العَقدِ ولَه حُكمُه في الابتِداءِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "المَجلِسُ حَريمُ العَقدِ ولَه حُكمُه في الابتِداءِ" [5318] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/160). ، وصيغةِ: "مَجلِسُ العَقدِ في حُكمِ الحَريمِ للعَقدِ" [5319] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (6/24). ، وصيغةِ: "المَجلِسُ حَريمُ العَقدِ فلَه حُكمُه" [5320] يُنظر: ((عجالة المحتاج)) لابن الملقن (2/743)، ((بداية المحتاج)) لابن قاضي شهبة (2/109)، ((الإقناع)) للخطيب الشربيني (2/296)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (4/185). ، وصيغةِ: "المَجلِسُ حَريمُ العَقدِ وأوَّلُه" [5321] يُنظر: ((شرح مشكل الوسيط)) لابن الصلاح (3/453). ، وصيغةِ: "خيارُ المَجلِسِ حَريمٌ للعَقدِ" [5322] يُنظر: ((الغاية)) للعز بن عبد السلام (3/364). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ مَجلِسَ العَقدِ في حُكمِ الحَريمِ للعَقدِ، ولَه حُكمُه في الابتِداءِ، جَعَلَه الشَّرعُ بمَنزِلَتِه في كَثيرٍ مِنَ الأحكامِ، ولمَّا كان المَجلسُ مِن حَريمِ العَقدِ نُزِّلَ الواقِعُ فيه مَنزِلةَ الواقِعِ في العَقدِ فكَأنَّه عَينُه، وما أوجَدَه العاقِدانِ في حَريمِ العَقدِ يَصيرُ بمَثابةِ المَوجودِ في العَقدِ، ويُجعَلُ القَبضُ فيه كالتَّعيينِ في صُلبِ العَقدِ [5323] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (6/24)، ((المنثور)) للزركشي (3/160)، ((النجم الوهاج)) للدميري (4/239)، ((حاشية الرملي الكبير على أسنى المطالب)) (1/372) و(2/277)، ((حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج)) (3/105). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ، ومِن ذلك:
1- عن حَكيمِ بنِ حِزامٍ رَضيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: ((البَيِّعانِ بالخيارِ ما لم يَتَفرَّقا -أو قال: حَتَّى يَتَفرَّقا- فإن صَدَقا وبَيَّنا بُورِكَ لهما في بَيعِهما، وإن كَتمَا وكَذَبا مُحِقَت بَرَكةُ بَيعِهما )) [5324] أخرجه البخاري (2079) واللفظ له، ومسلم (1532). .
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إذا تَبايَعَ الرَّجُلانِ فكُلُّ واحِدٍ مِنهما بالخيارِ ما لم يَتَفرَّقا، وكانا جَميعًا، أو يُخَيِّرُ أحَدُهما الآخَرَ، فتَبايَعا على ذلك، فقد وجَبَ البَيعُ، وإن تَفرَّقا بَعدَ أن يَتَبايَعا، ولَم يَترُكْ واحِدٌ مِنهما البَيعَ، فقد وجَبَ البَيعُ )) [5325] أخرجه البخاري (2112) واللفظ له، ومسلم (1531). .
وَجهُ الدَّلالةِ مِنَ الحَديثَينِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم جَعَلَ للمُتَبايِعينِ الخيارَ في إمضاءِ البَيعِ أو فسخِه ما داما في المَجلسِ، ما لم يُفارِقْ أحَدُهما صاحِبَه، فإن فارَقَه فلا خيارَ له، وقد تَمَّ البَيعُ، فأثبَتَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الخيارَ في المَجلسِ؛ لأنَّ المَجلسَ حَريمُ العَقدِ فلَه حُكمُه [5326] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (4/329)، ((عمدة القاري)) للعيني (11/226)، ((الإقناع)) للخطيب الشربيني (2/296). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- إذا شَرَط المُتَعاقِدانِ في البَيعِ خيارًا صَحيحًا، وأجَلًا مَجهولًا، ثُمَّ حَذَفاه بَعدَ التَّفرُّقِ في مُدَّةِ خيارِ الشَّرطِ، لم ينحَذِفْ على الأصَحِّ؛ لأنَّ خيارَ المَجلِسِ حَريمٌ للعَقدِ، بخِلافِ خيارِ الشَّرطِ [5327] يُنظر: ((الغاية)) للعز بن عبد السلام (3/364). .
2- الشَّرطُ الصَّحيحُ إذا أُلحِقَ بالعَقدِ في المَجلسِ -كالخيارِ والأجَلِ أو زيادةِ الثَّمَنِ والمُثَمَّنِ- ففيه وجهانِ: أحَدُهما: المَنعُ كما بَعدَ اللُّزومِ. والثَّاني: أنَّه يَصِحُّ؛ لأنَّ المَجلسَ كَأنَّه حَريمُ العَقدِ وأوَّلُه [5328] يُنظر: ((الوسيط)) للغزالي (3/87). .
3- أحكامُ عَقدِ البَيعِ والشِّراءِ مِنَ الخيارِ والتَّقابُضِ ونَحوِهما كالرُّؤيةِ والتَّفرُّقِ، تَتَعَلَّقُ بالوكيلِ دونَ الموكِّلِ؛ لأنَّه العاقِدُ حَقيقةً، فله الفسخُ بخيارَيِ المَجلِسِ والشَّرطِ، وإن أجازَ الموكِّلُ. بخِلافِ خيارِ العَيبِ، لا رَدَّ للوكيلِ إذا رَضيَ به الموكِّلُ؛ لأنَّه لدَفعِ الضَّرَرِ عنِ المالكِ، وليس مَنوطًا باسمِ المُتَعاقِدينِ كما نيطَ به في الفسخِ بخيارِ المَجلسِ؛ لأنَّ خيارَ المَجلِسِ حَريمُ العَقدِ، جَعَلَه الشَّرعُ بمَنزِلَتِه في كَثيرٍ مِنَ الأحكامِ، والعَقدُ لا يَقبَلُ التَّبعيضَ، فلذلك اختَصَّ حُكمُ المَجلسِ بمُتَولِّي العَقدِ، وإن كان موكِّلُه مَعَه [5329] يُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (2/277). .

انظر أيضا: