موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الخامِسُ: المِلكُ لا يَثبُتُ ابتِداءً بغَيرِ سَبَبٍ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "المِلكُ لا يَثبُتُ ابتِداءً بغَيرِ سَبَبٍ" [4590] يُنظر: ((شرح السير الكبير)) للسرخسي (ص: 1366). ، وصيغةِ: "إنشاءُ المِلكِ مُطلَقًا بلا سَبَبٍ ليس في وُسعِ العِبادِ" [4591] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازة (8/ 56). ، وصيغةِ: "لا يُمكِنُ القَضاءُ بالمِلكِ بلا سَبَبٍ" [4592] يُنظر: ((شرح أدب القاضي للخصاف)) للصدر الشهيد (ص: 135). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
لا تَثبُتُ المِلكيَّةُ لأيِّ شَخصٍ إلَّا بوُجودِ فِعلٍ مَشروعٍ أو سَبَبٍ شَرعيٍّ يُؤَدِّي إلى انتِقالِ المالِ إلَيه أو استِحداثِ مِلكيَّةٍ جَديدةٍ، فلا يُمكِنُ أن يُصبحَ شَخصٌ مالكًا لشَيءٍ مِنَ الأشياءِ إلَّا إذا تَوفَّرَت أسبابٌ شَرعيَّةٌ تُثبتُ له المِلكيَّةَ، فالمِلكُ في الإسلامِ لا يَنشَأُ تِلقائيًّا أو بدونِ سَبَبٍ مَشروعٍ، بَل يَستَنِدُ إلى أسبابٍ مُعتَبَرةٍ، كالتَّمَلُّكِ بالبَيعِ، أوِ الهبةِ، أوِ الميراثِ، أوِ الإحياءِ، وغَيرِها مِنَ الأسبابِ الشَّرعيَّةِ، وما لَم يوجَدِ السَّبَبُ المُعتَبَرُ شَرعًا للتَّمَلُّكِ لا يَثبُتُ التَّمَلُّكُ [4593] يُنظر: ((شرح السير الكبير)) للسرخسي (ص: 1366). .
ثالثًا: أدلَّةُ القاعِدةِ.
يُمكِنُ أن يُستَدَلَّ عليها بالاستِقراءِ؛ حَيثُ ثَبَتَ مِنِ استِقراءِ الشَّريعةِ أنَّ المِلكَ لا يَثبُتُ إلَّا بسَبَبٍ مِن بَيعٍ أو شِراءٍ أو هبةٍ أو إرثٍ أو إحياءٍ أوِ استيلاءٍ ونَحوِها مِنَ الأسبابِ، ولا يوجَدُ مِلكٌ ثابتٌ لا سَبَبَ له.
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- الغَصبُ لا يَثبُتُ به المِلكُ وإن ضَمِنَ الغاصِبُ؛ لأنَّ المِلكَ نِعمةٌ عُلِّقَت بأسبابٍ مَشروعةٍ، فلَم يَكُنِ الحَرامُ المَحضُ سَبَبًا للمِلكِ [4594] يُنظر: ((تقويم الأدلة)) للدبوسي (ص: 56)، ((التجريد)) للقدوري (5/2578). .
2- إذا وهَبَ شَخصٌ شَيئًا لآخَرَ وقَبَضَه المَوهوبُ له، ثَبَتَ مِلكُه له بالقَبضِ؛ لأنَّ الهبةَ سَبَبٌ يَثبُتُ به المِلكُ [4595] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (12/48). .
3- إذا انعَقدَ البَيعُ صَحيحًا بأنِ استَوفى أركانَه وشُروطَه ثَبَتَ به المِلكُ، فيَملكُ المُشتَري السِّلعةَ ويَملكُ البائِعُ الثَّمَنَ [4596] يُنظر: ((طريقة الخلاف)) للأسمندي (ص: 299). .
4- إذا ماتَ المورِّثُ انتَقَلَ المِلكُ إلى الورَثةِ إذا لَم يَكُنْ هناكَ دَينٌ أو وصايا؛ لأنَّ الإرثَ مِن أقوى أسبابِ المِلكِ [4597] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (5/267). .

انظر أيضا: