موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الأوَّلُ: نُفوذُ التَّصَرُّفِ مَنوطٌ بالإذنِ شَرعًا


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعملت القاعدةُ بهذا المعنى [4548] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (30/140) ونصُّه: (لأنَّ نُفوذَ تَصَرُّفِه بالإذنِ شَرعًا). ويُنظر أيضًا: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (11/ 1223). ، وبصيغةِ: "نُفوذُ التَّصَرُّفِ مُستَفادٌ مِنَ الإذنِ" [4549] يُنظر: ((القواعد)) للحصني (2/ 223). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تَقدَّمَ في القاعِدةِ الأُمِّ أنَّ تَصَرُّفَ الإنسانِ فيما ليس له لا يَصِحُّ إلَّا بإذنِه، فإذا تَصَرَّف إنسانٌ في مالِ غَيرِه أو حَقِّه بدونِ إذنِه انعَقدَ تَصَرُّفُه عِندَ الحَنَفيَّةِ والمالكيَّةِ، وتَوقَّف نَفاذُ هذا التَّصَرُّفِ على إذنِ المالكِ، فإن أذِنَ صَحَّ التَّصَرُّفُ، وإن لَم يَأذَنْ فلا يَصِحُّ، وهذه المَسألةُ تُعرَفُ بتَصَرُّفِ الفُضوليِّ، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ مُكَمِّلةً لقاعِدةِ (الأصلُ حُرمةُ الانتِفاعِ بمالِ الغَيرِ بغَيرِ إذنِهـ) [4550] يُنظر: ((المجموع)) للنووي وآخرين (9/261)، ((المنثور)) للزركشي (1/302). .
ثالثًا: أدلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ القُرآنُ والسُّنَّةُ والمَعقولُ:
1- من القُرآنِ:
قَولُه تعالى: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ.
وَجهُ الدَّلالةِ:
النَّهيُ عَن دُخولِ بَيتِ أحَدٍ إلَّا بإذنِه لِما فيه مِنَ التَّصَرُّفِ في مِلكِ الغَيرِ بغَيرِ إذنِه، فإن شاءَ أذِنَ، وإن شاءَ لَم يَأذَنْ، فأفادَتِ الآيةُ أنَّ التَّصَرُّفَ في مِلكِ الغَيرِ مُرتَبطٌ بالإذنِ، وبدونِه مَحظورٌ [4551] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (6/ 41)، ((تفسير ابن كمال باشا)) (7/ 262). .
2- مِنَ السُّنَّةِ:
فعَن عُروةَ البارِقيِّ رَضيَ اللهُ عنه ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعطاه دينارًا يَشتَري له به شاةً، فاشتَرى له به شاتَينِ، فباعَ إحداهما بدينارٍ، وجاءَه بدينارٍ وشاةٍ، فدَعا له بالبَرَكةِ في بَيعِه، وكان لَو اشتَرى التُّرابَ لَرَبحَ فيه )) [4552] أخرجه البخاري (3642). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الصَّحابيَّ تَصَرَّف بالبَيعِ والشِّراءِ دونَ إذنِ المالكِ وتَوقُّفٍ على إجازَتِه، فأجازَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولَو كان العَقدُ باطِلًا لَبَيَّنَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [4553] يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (3/90)، ((شرح سنن أبي داود)) لابن رسلان (14/170،169). .
3- مِنَ المعقولِ:
وهو أنَّ البَيعَ عَقدُ تَمليكٍ يَفتَقِرُ إلى الإجازةِ، فجازَ أن يَقَعَ مَوقوفًا عليها، كالوصيَّةِ [4554] يُنظر: ((المعونة)) للقاضي عبد الوهاب (2/1039). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- إذا باعَ مِلكَ غَيرِه بغَيرِ إذنِه انعَقدَ البَيعُ ووقَف على إجازةِ المالكِ أو رَدِّه عِندَ الحَنَفيَّةِ والمالكيَّةِ [4555] يُنظر: ((المعونة)) للقاضي عبد الوهاب (2/1038)، ((التجريد)) للقدوري (5/2590). .
2- إذا اشتَرى لغَيرِه بغَيرِ إذنِه بأن قال: اشتَرَيتُ هذا الثَّوبَ لفُلانٍ بألفٍ، انعَقدَ الشِّراءُ ووقَف على إجازةِ المُشتَري له أو رَدِّه عِندَ المالكيَّةِ؛ لأنَّ القَبولَ أحَدُ طَرَفيِ العَقدِ، فجازَ أن يَقِف العَقدُ على إمضائِه كالإيجابِ [4556] يُنظر: ((المعونة)) للقاضي عبد الوهاب (2/1039)، ((التجريد)) للقدوري (5/2590). .
خامسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استثناءٌ:
لا يَنفُذُ الإذنُ لآخَرَ بالتَّصَرُّفِ في المالِ إذا كان هذا المالُ مَشغولًا بحَقِّ غُرَمائِه، كَشَغلِه بالرَّهنِ مَثَلًا [4557] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (7/ 3195). .
تنبيهٌ:
نَفاذُ تَصَرُّفِ الوليِّ أوِ الوصيِّ على القاصِرِ ليس استِثناءً مِنَ القاعِدةِ، بَل هو مَأذونٌ به شَرعًا؛ لأنَّه مُستَنِدٌ إلى وِلايةٍ [4558] يُنظر: ((المدخل الفقهي العام)) لمصطفى الزرقا (2/1041). .
فائدةٌ:
* الإذنُ قد يَكونُ صَراحةً، وقد يَكونُ دَلالةً:
فالإذنُ صَراحةً: كالذي يَحصُلُ في تَوكيلِ إنسانٍ آخَرَ لأن يَشتَغِلَ في أحَدِ أعمالِه التي يُمكِنُ للموكِّلِ القيامُ بها، كَتَوكيلِ إنسانٍ آخَرَ لأن يَبيعَ له مالًا أو أن يُؤَجِّرَ له عَقارًا وما أشبَهَ ذلك.
والإذنُ ‌َدَلالةً: كَذَبحِ الرَّاعي شاةً مُشرِفةً على الهَلاكِ، فالرَّاعي وإن لَم يَكُنْ مَأذونًا صَراحةً فقدِ اعتُبرَ استِحسانًا مَأذونًا. أمَّا لَو كان ذابحُ الشَّاةِ غَيرَ الرَّاعي فقدِ اختَلَف الفُقَهاءُ في ذلك [4559] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/ 97). .

انظر أيضا: