الفرعُ الرَّابعُ: لا يَجوزُ لأحَدٍ أن يَأخُذَ مالَ أحَدٍ بلا سَبَبٍ شَرعيٍّ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "لا يَجوزُ لأحَدٍ أن يَأخُذَ مالَ أحَدٍ بلا سَبَبٍ شَرعيٍّ"
[4576] يُنظر: ((مجلة الأحكام العدلية)) (ص: 27). ، وصيغةِ: "ليس للإمامِ أن يُخرِجَ شَيئًا مِن يَدِ أحَدٍ إلَّا بحَقٍّ ثابتٍ مَعروفٍ"
[4577] يُنظر: ((الخراج)) لأبي يوسف (ص: 78)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 106). ، وصيغةِ: "أصلُ مالِ كُلِّ امرِئٍ مُحَرَّمٌ على غَيرِه إلَّا بما أُحِلَّ به"
[4578] يُنظر: ((الرسالة)) للشافعي (ص: 348). ، وصيغةِ: "لا يُنزَعُ شَيءٌ مِن يَدِ أحَدٍ إلَّا بحَقٍّ ثابتٍ مَعروفٍ"
[4579] يُنظر: ((العقود الدرية)) لابن عابدين (1/118). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. تُبَيِّنُ القاعِدةُ أنَّه لا يَحِقُّ لأحَدٍ أن يَأخُذَ مالَ أحَدٍ إلَّا بسَبَبٍ شَرعيٍّ يُبيحُ ذلك، فما لَم يوجَدْ سَبَبٌ شَرعيٌّ فلا يَجوزُ لأحَدٍ أن يَأخُذَ مالَ أحَدٍ سَواءٌ كان هازِلًا أم جادًّا، فإن أخَذَه فعليه رَدُّه، وقُيِّدَتِ القاعِدةُ بقَولِه: (بلا سَبَبٍ شَرعيٍّ)؛ لأنَّه بالأسبابِ الشَّرعيَّةِ -كالبَيعِ، والإجارةِ، والهبةِ، والكَفالةِ، والحَوالةِ- يَحِقُّ أخذُ مالِ الغَيرِ لوُجودِ السَّبَبِ الشَّرعيِّ المُبيحِ لذلك
[4580] يُنظر: ((الرسالة)) للشافعي (ص: 348، 355)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/98). .
ثالثًا: أدلَّةُ القاعِدةِ.دَلَّ على هذه القاعِدةِ القُرآنُ والسُّنَّةُ:
مِنَ القُرآنِ:قال اللهُ تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [النساء: 39] .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ أخذَ مالِ الغَيرِ بلا سَبَبٍ شَرعيٍّ مِن أكلِ الأموالِ بالباطِلِ
[4581] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (8/ 999)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (41/ 380). .
مِنَ السُّنَّةِ:- عَن أُمِّ سَلَمةَ رَضيَ اللهُ عنها، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إنَّما أنا بَشَرٌ، وإنَّكُم تَختَصِمونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ بَعضَكُم أن يَكونَ ألحَنَ بحُجَّتِه مِن بَعضٍ، وأقضيَ له على نَحوِ ما أسمَعُ، فمَن قَضَيتُ له مِن حَقِّ أخيه شَيئًا فلا يَأخُذْه، فإنَّما أقطَعُ له قِطعةً مِنَ النَّارِ)) [4582] أخرجه البخاري (6967) واللفظ له، ومسلم (1713). .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّه لا يَجوزُ لأحَدٍ أن يَأخُذَ مالَ أحَدٍ بلا سَبَبٍ شَرعيٍّ يُسَوِّغُ له الأخذَ، ويَكونُ موافِقًا لواقِعِ الأمرِ
[4583] يُنظر: ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 465). .
- وعَن يَزيدَ بنِ سَعيدٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لا يَأخُذَنَّ أحَدُكُم مَتاعَ أخيه لاعِبًا ولا جادًّا، ومَن أخَذَ عَصا أخيه فليَرُدَّها )) [4584] أخرجه أبو داود (5003) واللفظ له، والترمذي (2160)، وأحمد (17940). حسَّنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (5003)، وصحَّح إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (17940). وقد ذهب إلى تصحيحِه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1202). .
وَجهُ الدَّلالةِ:في الحَديثِ النَّهيُ عَن أخذِ مَتاعِ الغَيرِ، ويَشمَلُ ذلك مالَه ولَو بدونِ قَصدِ السَّرِقةِ هازِلًا مَعَه
[4585] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/ 98). ، وعليه فلا يَجوزُ أخذُ مالِه إلَّا بسَبَبٍ شَرعيٍّ واضِحٍ.
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- لَوِ ادَّعى إنسانٌ على آخَرَ بحَقٍّ وبَعدَ أن تَصالَحا ظَهَرَ بأن ليس للمُدَّعي حَقٌّ بما ادَّعى، فيَحِقُّ للمُدَّعى عليه استِردادُ بَدَلِ الصُّلحِ منه
[4586] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/98). .
2- لَو صالَحَ البائِعُ المُشتَريَ على عَيبٍ ادَّعاه في المَبيعِ بَعدَ أن أنكَرَه هو فتَبَيَّنَ له بَعدَ ذلك أنَّ المَبيعَ خالٍ مِنَ العَيبِ أو كان فيه فزالَ بنَفسِه، فللبائِعِ حَقُّ استِردادِ بَدَلِ الصُّلحِ مِنَ المُشتَري
[4587] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/98). .
3- إذا دَفعَ إنسانٌ شَيئًا إلى آخَرَ غَيرَ واجِبٍ عليه أداؤُه فلَه استِردادُه ما لَم يَكُنْ أعطاه إيَّاه على سَبيلِ الهبةِ ووُجِدَ ما يَمنَعُ مِن رَدِّها، فإذا دَفعَ إنسانٌ رِشوةً لقاضٍ فنَدِمَ على إعطائِه إيَّاها فلَه حَقُّ استِردادِها
[4588] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/98). .
خامسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ. استثناءاتٌ [4589] يُنظر: ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 465). :1- يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ إذا كان السَّبَبُ شَرعيًّا في الظَّاهرِ، ولَكِن لَم يَكُنْ في الواقِعِ ونَفسِ الأمرِ حَقيقةً: كالصُّلحِ عَن دَعوى كاذِبةٍ على بَدَلٍ، فإنَّ بَدَلَ ذلك الصُّلحِ يُقضى له به، ولَكِن لا يَحِلُّ له، ويَجِبُ عليه ديانةً رَدُّه إن أخَذَه.
2- لَوِ اعتَرَف بَعدَ الصُّلحِ بكَونِه مُبطِلًا في الدَّعوى وأنَّه لَم يَكُنْ له على المُدَّعي شَيءٌ: فإنَّه يَبطُلُ الصُّلحُ ويَستَرِدُّ المُدَّعى عليه البَدَلَ.