تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ. استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المذكورةِ: "اليَدُ دَليلُ المِلكِ" [4415] يُنظر: ((النوادر والزيادات)) لابن أبي زيد القيرواني (9/5)، ((الجمع والفرق)) لأبي محمد الجويني (2/540). ، وصيغةِ: "الظَّاهِرُ مِنَ اليَدِ المِلكُ" [4416] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (3/413)، ((المغني)) لابن قدامة (7/ 493). ، وصيغةِ: "ثُبوتُ اليَدِ َدليلُ المِلكِ" [4417] يُنظر: ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (4/ 256)، ((حاشية ابن عابدين)) (5/ 581). . ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. إذا كان الشَّيءُ تحتَ يَدِ الإنسانِ يتصَرَّفُ فيه تَصَرُّفَ المُلَّاكِ، فإنَّ حيازتَه تحتَ يَدِه تكونُ دليلًا على مِلكِه له، وتصرُّفُ المُلَّاكِ يكونُ في كُلِّ شَيءٍ بحَسَبِه؛ ففي الدَّارِ بالسُّكنى والهَدمِ والبناءِ ونحوِ ذلك من أماراتٍ تفيدُ المِلكَ. فيُقضى لصاحِبِ اليَدِ بالمِلكِ، وهذه القاعدةُ مُقَيَّدةٌ بعَدَمِ وُجودِ بَيِّنةٍ، فإن قامت بَيِّنةٌ بخلافِ ذلك فإنها تُقدَّمُ على اليَدِ، وهو ما أفادته قاعدةُ (المِلكُ أقوى مِنَ اليَدِ)، لكِنْ عِندَ عَدَمِ البَيِّنةِ يُقضى لصاحِبِ اليَدِ، فصاحِبُ اليَدِ أَولى مِن أجنَبيٍّ يَدَّعي عليه [4418] يُنظر: ((النوادر والزيادات)) لابن أبي زيد القيرواني (9/5)، ((الجمع والفرق)) لأبي محمد الجويني (2/540)، ((المهذب)) للشيرازي (3/413)، ((رؤوس المسائل)) للزمخشري (ص: 535)، ((معالم السنن)) للخطابي (4/44)، ((طريقة الخلاف)) للأسمندي (ص: 403)، ((عون المعبود)) للعظيم آبادي مع ((حاشية ابن القيم)) (9/52). . فالمُرادُ بقاعِدةِ "اليَدُ دَليلُ المِلكِ" أنَّ هذا المِلكَ إنَّما هو بحَسَبِ الظَّاهرِ لا في نَفسِ الأمرِ؛ فإنَّ الأصلَ أنَّ الشَّيءَ إذا كان في يَدِ إنسانٍ يَتَصَرَّفُ فيه تَصَرُّفَ المُلَّاكِ أنَّه مالكُه، إلَّا أنَّ هذا الظَّاهرَ لا يَثبُتُ به الاستِحقاقُ؛ إذ قد يَكونُ الشَّيءُ في يَدِ غَيرِ مالكِه، كالشَّيءِ يَكونُ في يَدِ الوكيلِ أوِ المُستَعيرِ أوِ المُستَأجِرِ له، فإذا قامَت بَيِّنةٌ على أنَّ هذا الشَّيءَ مِلكٌ لفُلانٍ اكتَسَبَه بعَقدٍ أو إرثٍ أو نَحوِ ذلك مِن أسبابِ التَّمليكِ، ولَم يَكُنْ لصاحِبِ اليَدِ إلَّا وضعُ يَدِه عليه، أو كانت له بَيِّنةٌ باليَدِ والتَّصَرُّفِ دونَ المِلكِ- قُضيَ بالشَّيءِ لمَن شَهدَت له بَيِّنةُ المِلكِ دونَ صاحِبِ اليَدِ، وهذا هو مُقتَضى قاعِدةِ: "المِلكُ أقوى مِنَ اليَدِ". ومِن هنا يَتَبَيَّنُ أنَّ الشَّريعةَ لا تَعتَبرُ وضعَ اليَدِ مُدَّةً مُثبتًا للمِلكيَّةِ، فمُضيُّ المُدَّةِ لا يُعطي حَقًّا لواضِعِ اليَدِ ولا يُسقِطُ حَقَّ المالكِ، وأقصى ما أعطَته الشَّريعةُ للمُدَّةِ الطَّويلةِ مِن قوةٍ أنَّها جَعَلَتها سَبَبًا في مَنعِ سَماعِ الدَّعوى عِندَ الإنكارِ، أمَّا مَعَ الإقرارِ فالحَقُّ ثابتٌ فيه والدَّعوى تَكونُ مَسموعةً [4419] يُنظر: ((الملكية ونظرية العقد)) لمحمد أبو زهرة (ص: 140)، ((معلمة زايد)) (14/ 189). . ثالثًا: أدلَّةُ القاعِدةِ. دَلَّ على هذه القاعِدةِ القُرآنُ والسُّنَّةُ: 1- مِنَ القُرآنِ: قال اللهُ تعالى: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ[النساء: 3] . وَجهُ الدَّلالةِ: عَبَّرَتِ الآيةُ عَمَّا يَملكونَ بمِلكِ اليَمينِ، وفي هذا دَلالةٌ على أنَّ اليَدَ دَليلُ المِلكِ، قال البَغَويُّ: (وذِكرُ الأيمانِ بَيانٌ، تَقديرُه: أو ما مَلَكتُم) [4420] ((معالم التنزيل)) للبغوي (2/162). ويُنظر أيضًا: ((النوادر والزيادات)) لابن أبي زيد القيرواني (9/5). . 2- مِنَ السُّنَّةِ: عَن وائِلِ بنِ حُجرٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((جاءَ رَجُلٌ مِن حَضرَمَوتَ ورَجُلٌ مِن كِندةَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال الحَضرَميُّ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ هذا قد غَلَبَني على أرضٍ لي كانت لأبي، فقال الكِنديُّ: هيَ أرضي في يَدي أزرَعُها ليس له فيها حَقٌّ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للحَضرَميِّ: ألَكَ بَيِّنةٌ؟ قال: لا، قال: فلَكَ يَمينُه، قال: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ الرَّجُلَ فاجِرٌ لا يُبالي على ما حَلَف عليه، وليس يَتَورَّعُ مِن شَيءٍ، فقال: ليس لَكَ مِنه إلَّا ذلك )) [4421] أخرجه مسلم (139). . وَجهُ الدَّلالةِ: قَضاءُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمَن بيَدِه الأرضُ دَليلٌ على أنَّ اليَدَ دَليلُ المِلكِ ما لَم تُعارِضْها بَيِّنةٌ [4422] يُنظر: ((المعلم بفوائد مسلم)) للمازري (1/315)، ((شرح مسلم)) للنووي (2/162). . قال الخَطَّابيُّ: (وفي قَولِ الكِنديِّ: "هيَ أرضي في يَدي أزرَعُها" دَليلٌ على أنَّ اليَدَ تَثبُتُ على الأرضِ بالزِّراعةِ، وعَلى الدَّارِ بالسُّكنى، وبعَقدِ الإجارةِ عليهما، وبما أشبَهَهما مِن وُجوهِ التَّصَرُّفِ والتَّدبيرِ) [4423] يُنظر: ((معالم السنن)) (4/44). . رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ. مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ: 1- مَن رَأى ضَيعةً في يَدِ إنسانٍ مُدَّةً طَويلةً يَتَصَرَّفُ فيها تَصَرُّفَ المُلَّاكِ مِن غَيرِ مُنازِعٍ- جازَ له أن يَشهَدَ له بالمِلكِ مُطلَقًا؛ لأنَّ اليَدَ دَليلُ المِلكِ [4424] يُنظر: ((التهذيب)) للبغوي (7/121)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (8/516)، ((المغني)) لابن قدامة (14/143). . 2- إذا تَداعى رَجُلانِ دابَّةً أو شَيئًا وهو في يَدِ أحَدِهما، فهو لصاحِبِ اليَدِ، ويَحلفُ عليه إلَّا أن يُقيمَ الآخَرُ بَيِّنةً فيُحكَمَ له به، فلَو أقامَ كُلُّ واحِدٍ بَيِّنةً تُرَجَّحُ بَيِّنةُ ذي اليَدِ [4425] يُنظر: ((الكاشف عن حقائق السنن)) للطيبي (8/2616). . 3- إذا كانتِ الوديعةُ دابَّةً فأصابَها شَيءٌ فأمَرَ المودَعُ رَجُلًا ليُعالجَها فعالَجَها فعَطِبَت في ذلك، فصاحِبُ الدَّابَّةِ بالخيارِ يُضَمِّنُ أيَّهما شاءَ؛ فإن ضَمَّنَ المودَعَ لا يَرجِعُ المودَعُ على الذي عالَجَها بأمرِه، وإن ضَمَّنَ الذي عالَجَها فإن كان قد عَلمَ وقتَ المُعالَجةِ أنَّ الدَّابَّةَ لغَيرِ الذي في يَدَيه وعَلمَ أنَّ صاحِبَ الدَّابَّةِ لَم يَأمُرِ المودَعَ بذلك، لا يَرجِعُ على المودَعِ، وإن لَم يَعلَمْ أنَّها لغَيرِه أو ظَنَّ أنَّها له كان له أن يَرجِعَ على المودَعِ؛ لأنَّها كانت في يَدِ المودَعِ، واليَدُ دَليلُ المِلكِ مِن حَيثُ الظَّاهرُ [4426] يُنظر: ((مجمع الضمانات)) لغانم البغدادي (ص: 74). .