الفرعُ الثَّالثُ: في دَعوى المِلكِ تَتَرَجَّحُ بَيِّنةُ الخارِجِ على بَيِّنةِ ذي اليَدِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ. استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "في دَعوى المِلكِ تَتَرَجَّحُ بَيِّنةُ الخارِجِ على بَيِّنةِ ذي اليَدِ"
[4407] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (17/32)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (6/507). ، وصيغةِ: "بَيِّنةُ الخارِجِ تَتَرَجَّحُ على بَيِّنةِ ذي اليَدِ عِندَ التَّساوي في دَعوى المِلكِ"
[4408] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (17/ 44). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. تَتَعَلَّقُ هذه القاعِدةُ بالتَّرجيحِ بَينَ البَيِّناتِ في حالةِ النِّزاعِ على مِلكيَّةِ شَيءٍ ما؛ حَيثُ يَكونُ هناكَ طَرَفانِ:
ذو اليَدِ: وهو الشَّخصُ الذي يَحوزُ الشَّيءَ أو يَستَولي عليه فِعليًّا.
الخارِجُ: وهو الشَّخصُ الذي يَدَّعي مِلكيَّةَ الشَّيءِ ولَكِن لا يَحوزُه.
والقاعِدةُ تَنُصُّ على أنَّه إذا قدَّمَ كُلٌّ مِنَ الطَّرَفينِ بَيِّنةً (شُهودًا أو أدِلَّةً لإثباتِ دَعواهما)، فإنَّ بَيِّنةَ الخارِجِ تُرَجَّحُ على بَيِّنةِ ذي اليَدِ، وهذه القاعِدةُ تُعتَبَرُ مُكَمِّلةً لقاعِدةِ (المِلكُ أقوى مِنَ اليَدِ)
[4409] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (18/611)، ((المبسوط)) للسرخسي (17/32)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (6/507). .
ثالثًا: أدلَّةُ القاعِدةِ. دَلَّ على هذه القاعِدةِ المَعقولُ على النَّحوِ الآتي:
1- أنَّ شُهودَ صاحِبِ اليَدِ يَعتَمِدونَ في ثُبوتِ المِلكِ له ظاهرَ يَدِه، وهذا مَعلومٌ لَنا قَبلَ ذلك، فلا تَكونُ الشَّهادةُ مُثبتةً زيادةً لا تَدُلُّ اليَدُ عليها، بخِلافِ بَيِّنةِ الخارِجِ؛ فإنَّها تُثبتُ أمرًا زائِدًا، فتَكونُ أقوى في الإثباتِ
[4410] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (18/611). .
2- أنَّ البَيِّناتِ شُرِعَت لإثباتِ ما خَفيَ مِنَ الأُمورِ دونَ إثباتِ ما ظَهَرَ مِنها، فقُدِّمَت بَيِّنةُ الخارِجِ لأجلِ أنَّها أثبَتَت أمرًا خَفيًّا
[4411] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (6/507). .
3- أنَّ اليَدَ مُحتَملةٌ؛ تَحتَمِلُ أنَّها يَدُ غَصبٍ، وتَحتَمِلُ أنَّها يَدُ وديعةٍ أو عاريَّةٍ أو إجارةٍ أو مِلكٍ، فلا تَدُلُّ على المِلكِ
[4412] يُنظر: ((طريقة الخلاف في الفقه بين الأئمة الأسلاف)) للأسمندي (ص: 403). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ. مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- لَو كانت دارٌ في يَدِ رَجُلَينِ، وكُلُّ واحِدٍ مِنهما يَدَّعي أنَّها له، ويَدَّعي لما في يَدِ صاحِبِه؛ لأنَّ في يَدِ كُلِّ واحِدٍ مِنهما نِصفَ الدَّارِ، فكَأنَّ الدَّارَ الواحِدةَ بمَنزِلةِ دارَينِ في يَدِ كُلِّ واحِدٍ مِنهما أو أحَدِهما، وكُلُّ واحِدٍ مِنهما يَدَّعيها، فكان كُلُّ واحِدٍ مِنهما مُدَّعيًا لِما في يَدِ صاحِبِه، فعليه البَيِّنةُ، فإن أقاما البَيِّنةَ قُضيَ لكُلِّ واحِدٍ مِنهما بالنِّصفِ الذي في يَدِ صاحِبِه؛ تَرجيحًا لبَيِّنةِ الخارِجِ على بَيِّنةِ ذي اليَدِ في دَعوى المِلكِ المُطلَقِ
[4413] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (17/32). .
2- لَو قال: هذا الشَّيءُ لي بالشِّراءِ مِن فُلانٍ أو مِن ذي اليَدِ، وأقامَ البَيِّنةَ على ذلك، كان صَحيحًا، وقُدِّمَت بَيِّنَتُه على بَيِّنةِ ذي اليَدِ عِندَ الحَنَفيَّةِ؛ تَرجيحًا لبَيِّنةِ الخارِجِ على بَيِّنةِ ذي اليَدِ
[4414] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (8/460). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش