موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الرَّابعُ: ضَمانُ القيمةِ وضَمانُ المَنفَعةِ قد يَجتَمِعانِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "ضَمانُ القيمةِ وضَمانُ المَنفَعةِ قد يَجتَمِعانِ" [4165] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (6/282). ويُنظر أيضًا: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (11/ 245). ، وصيغةِ: "غَيرُ مُمتَنِعٍ أن يَجتَمِعَ ضَمانُ العَينِ والمَنفَعةِ" [4166] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) (7/ 162). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
المَنافِعُ مُتَقَوِّمةٌ ولَها صِفةُ الماليَّةِ عِندَ الجُمهورِ، فإذا وقَعَ التَّعَدِّي على عَينٍ لَها مَنفَعةٌ مِمَّا يُعاوَضُ عليها بالإجارةِ، واستَدامَ التَّعَدِّي زَمانًا يَكونُ لمِثلِه أُجرةٌ، وتَلِفَت العَينُ أو تَلِفَ بَعضُها، فإنَّ المُتَعَدِّيَ يَضمَنُ في هذه الحالةِ العَينَ أو قيمةَ النَّقصِ، ويَضمَنُ أيضًا أُجرةَ المَنفَعةِ طَوالَ مُدَّةِ التَّعَدِّي، فيَجتَمِعُ عليه ضَمانُ العَينِ وضَمانُ المَنفَعةِ، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ مُكَمِّلةً لقاعِدةِ (الأصلُ في المُتَقَوِّماتِ القيمةُ) [4167] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (7/162)، ((المغني)) لابن قدامة (7/329). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ القُرآنُ والمَعقولُ:
1- مِنَ القُرآنِ:
قَولُ اللهِ تعالى: فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة: 194] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
بَيَّنَتِ الآيةُ أنَّ الاعتِداءَ يوجِبُ المِثلُ، فلَمَّا لم يَجُزْ أن يَعتَديَ على مالكِه باستِهلاكِ مَنافِعِه، أوجَبَ عُمومُ الآيةِ مِثلًا مَشروعًا في الاعتِداءِ على المَنفعةِ، وهو الأُجرةُ؛ لأنَّ القيمةَ أحَدُ المِثلَينِ [4168] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (7/162). .
2- مِنَ المَعقولِ:
- وهو أنَّ التَّعَدِّيَ يوجِبُ الحُقوقَ ولا يُسقِطُ الحُقوقَ، فلَو قيلَ بأنَّ التَّعَدِّيَ على العَينِ يُسقِطُ ضَمانَ المَنفعةِ لَكان لكُلِّ مُستَأجِرٍ أن يَستَوفيَ المَنفَعةَ ويُسقِطَ عن نَفسِه الأُجرةَ بالتَّعَدِّي، فيَصيرُ مُسقِطًا لحَقٍّ واجِبٍ بظُلمٍ وتَعَدٍّ، والتَّعَدِّي يوجِبُ إثباتَ حَقٍّ، ولا يَجوزُ أن يوجِبَ إسقاطَ حَقٍّ [4169] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (7/162). .
- كما أنَّه لا يَمتَنِعُ أن يَكونَ الفِعلُ الواحِدُ مُوجِبًا لحَقَّينِ مِن وجهَينِ، فالقَتلُ يوجِبُ الدِّيةَ والكَفَّارةَ، وهما حَقَّانِ، وقَتلُ الصَّيدِ المَملوكِ يوجِبُ القيمةَ والجَزاءَ، والسَّرِقةُ توجِبُ القَطعَ ورَدَّ المَسروقِ، فكَذلك الغَصبُ يوجِبُ الضَّمانَ للأُجرةِ وضَمانَ العَينِ [4170] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (7/162). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- إن غَصَبَ دارًا، فباعها الغاصِبُ مِن آخَرَ فنَقَضها المُشتَري، وبَناها بآلةٍ أُخرى، فللمالكِ أن يُطالبَ المُشتَريَ بنَقضِ بنائِه، ويَجِبُ على المُشتَري للمالكِ أَرْشُ ما نَقَصَ مِن قيمَتِها بالنَّقضِ، وهو أن تُقَوَّمَ الدَّارُ قَبلَ النَّقضِ، ثُمَّ تُقَوَّمَ العَرصةُ والآلةُ إن كانت باقيةً، ويَرجِعَ عليه بما بَينَهما مِنَ القيمةِ، كما يَجِبُ له أُجرةُ الدَّارِ، فيُطالبُه بأُجرةِ مِثلِ دارِه مِن حينِ حَصَلَت في يَدِه إلى أن نُقِضَت [4171] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (7/73). .
2- مَن غَصَبَ ثَوبًا فلَبسَه حَتَّى أبلاه وأتلَفه، فإنَّه يَضمَنُ القيمةَ والمَنفَعةَ [4172] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (7/329)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (11/245). .

انظر أيضا: