موسوعة القواعد الفقهية

المطلَبُ الثَّاني: الاستِثناءُ مِنَ القَواعِدِ الفِقهيَّةِ للحاجةِ


المُرادُ بالحاجةِ: حالةٌ تَطرَأُ على الإنسانِ يَخافُ مَعَها فوتَ شَيءٍ مِنَ المَصالِحِ المُفتَقَرِ إلَيها مِن حَيثُ التَّوسِعةُ، بحَيثُ لا تَندَفِعُ إلَّا بارتِكابِ مُحَرَّمٍ، أو ما يُخالِفُ القَواعِدَ العامَّةَ للشَّرعِ [436] يُنظر: ((القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير)) لعبدالرحمن آل عبد اللطيف (1/ 243). . فهيَ مُفتَقَرٌ إلَيها مِن حَيثُ التَّوسِعةُ ورَفعُ الضِّيقِ المُؤَدِّي في الغالِبِ إلى الحَرَجِ والمَشَقَّةِ اللَّاحِقةِ بفَوتِ المَطلوبِ، فإذا لم تُراعَ دَخَلَ على المُكَلَّفينَ -على الجُملةِ- الحَرَجُ والمَشَقَّةُ، ولَكِنَّه لا يَبلُغُ مَبلَغَ الفَسادِ العاديِّ المُتَوقَّعِ  في المَصالِحِ العامَّةِ [437] يُنظر: ((الموافقات)) للشاطبي (2/ 21). .
قال ابنُ العَرَبيِّ: (اعتِبارُ الحاجةِ في تَجويزِ المَمنوعِ كاعتِبارِ الضَّرورةِ في تَحليلِ المُحَرَّمِ) [438] ((القبس)) (ص: 790). .
قال العِزُّ بنُ عَبدِ السَّلامِ: (اعلَمْ أنَّ اللَّهَ شَرَعَ لعِبادِه السَّعيَ في تَحصيلِ مَصالِحَ عاجِلةٍ وآجِلةٍ تَجمَعُ كُلُّ قاعِدةٍ مِنها عِلَّةً واحِدةً، ثُمَّ استَثنى مِنها ما في مُلابَسَتِه مَشَقَّةٌ شَديدةٌ أو مَفسَدةٌ تَربو على تلك المَصالِحِ، وكَذلك شَرَعَ لهمُ السَّعيَ في دَرءِ مَفاسِدَ في الدَّارَينِ أو في أحَدِهِما تَجمَعُ كُلُّ قاعِدةٍ مِنها عِلَّةً واحِدةً، ثُمَّ استَثنى مِنها ما في اجتِنابِه مَشَقَّةٌ شَديدةٌ أو مَصلَحةٌ تَربو على تلك المَفاسِدِ، وكُلُّ ذلك رَحمةٌ بعِبادِه، ونَظَرٌ لهم ورِفقٌ) [439] ((قواعد الأحكام)) (2/ 162). .
ومن أمثِلةِ ذلك:
1- ما أورَدَه القَرافيُّ بقَولِه: (فقد خالَفنا القَواعِدَ في عَدَمِ اشتِراطِ العَدالةِ في الأوصياءِ؛ دَفعًا للمَشَقَّةِ النَّاشِئةِ مِنَ الحَيلولةِ بَينَ الإنسانِ وبَينَ مَن يُريدُ أن يَعتَمِدَ عليه، وكَذلك خولِفَتِ القَواعِدُ في السَّلَمِ والمُساقاةِ وبَيعِ الغائِبِ والجَعالةِ والمُضارَبةِ والمُغارَسةِ والصَّيدِ وغَيرِ ذلك فيما فيه جَهالةٌ في الأُجرةِ وغَرَرٌ، وأمَّا الصَّيدُ فلبَقاءِ الفَضَلاتِ وعَدَمِ تَسهيلِ المَوتِ على الحَيَواناتِ، فقد خولِفَتِ القَواعِدُ لتَتِمَّةِ المَعاشِ) [440] ((شرح تنقيح الفصول)) (ص: 392). .
2- قال ابنُ العَرَبيِّ: (إلَّا أنَّ عُلَماءَنا سامَحوا في العَجينِ بالعَجينِ ليَسارَتِه وخِفَّةِ أمرِه، وأنَّه مُستَثنًى مِنَ القاعِدةِ للحاجةِ إلَيه، وبَقيَ التَّحريمُ في الكَثيرِ الذي يُقصَدُ مِنه المُغابَنةُ والمُكايسةُ على أصلِ القاعِدةِ) [441] ((القبس)) (ص: 817). ويُنظر له أيضًا: ((المسالك)) (6/ 90). .
3- قال العِزُّ بنُ عَبدِ السَّلامِ: (والتَّقديرُ بالخَرصِ على خِلافِ الأصلِ؛ لأنَّ الخَطَأ يَكثُرُ فيه، بخِلافِ الميزانِ والذَّرعِ والكَيلِ والتَّقويمِ، وأضبَطُ هذه التَّقديراتِ الوزنُ لقِلَّةِ التَّفاوُتِ فيما بَينَ الوزنَينِ، وأبعَدُها الخَرصُ، لكِنَّه جازَ في الزَّكاةِ والمُساقاةِ لمَسيسِ الحاجةِ العامَّةِ؛ فإنَّ الرُّطَبَ والعِنَبَ إذا بَدا صَلاحُهُما ووجَبَتِ الزَّكاةُ فيهِما خُرِصَ على المالِكينَ وضَمِنوا مِقدارَ الزَّكاةِ بالخَرصِ؛ لأنَّهُم لو مُنِعوا مِنَ التَّصَرُّفِ فيه بالأكلِ والبَيعِ والشِّراءِ لتَضَرَّرَ المُلَّاكُ والنَّاسُ بمَنعِهِم مِن ذلك إلى أن يَيبَسَ ويُقدَّرَ بالمِكيالِ، وكَذلك حُكمُ الخَرصِ في المُساقاةِ؛ لئَلَّا يَمتَنِعَ على الشُّرَكاءِ الأكلُ والتَّصَرُّفُ، وإذا امتَنَعَ عليهم امتَنَعَ على كافَّةِ النَّاسِ) [442] ((قواعد الأحكام)) (2/ 170). .

انظر أيضا: