موسوعة القواعد الفقهية

المطلَبُ الأوَّلُ: الاستِثناءُ مِنَ القَواعِدِ الفِقهيَّةِ للضَّرورةِ


المُرادُ بالضَّرورةِ أن تَطرَأَ على الإنسانِ حالةٌ مِنَ الخَطَرِ أوِ المَشَقَّةِ الشَّديدةِ بحَيثُ يَخافُ حُدوثَ ضَرَرٍ أو أذًى بالنَّفسِ أو بالعُضوِ أو بالعِرضِ أوِ بالعَقلِ أوِ بالمالِ وتَوابِعِهِما [427] يُنظر: ((نظرية الضرورة الشرعية)) للزحيلي (ص: 67- 68). .
والضَّرورةُ مِن أشَدِّ الأسبابِ الموجِبةِ لمُخالَفةِ القَواعِدِ الشَّرعيَّةِ؛ لأنَّ الأحكامَ المَشروعةَ في حالِ الاختيارِ قد تُؤَدِّي بالشَّخصِ إلى المَشَقَّةِ التي تُفَوِّتُ مَصالِحَه الضَّروريَّةَ، فيَكونُ مِنَ المُناسِبِ مُخالَفةُ هذه الأحكامِ إلى أحكامٍ أُخرى أيسَرَ مِنها مُحافَظةً على تلك المَصالِحِ [428] يُنظر: ((الاستثناء من القواعد)) لنور الدين بوحمزة (ص: 18). .
قال الكاسانيُّ: (مَواضِعُ الضَّرورةِ مُستَثناةٌ مِن قَواعِدِ الشَّرعِ) [429] ((بدائع الصنائع)) (1/ 215). .
وقال القَرافيُّ: (ولا غَروَ في الاستِثناءِ مِنَ القَواعِدِ لأجلِ الضَّروراتِ) [430] ((الفروق)) (1/ 14). .
وقال أيضًا: (ولا شَكَّ أنَّ المَصالِحَ التي خولِفَتِ القَواعِدُ لأجلِها مِنها ما هو ضَروريٌّ لا بُدَّ مِنه، ومِنها ما تَمَسُّ إلَيه الحاجةُ المُتَأكِّدةُ) [431] ((قواعد الأحكام)) (2/ 152). .
وقال أيضًا: (خولِفَتِ القَواعِدُ لتَتِمَّةِ المَعاشِ) [432] ((شرح تنقيح الفصول)) (ص: 392). .
ومن أمثِلةِ ذلك:
1- قاعِدةُ: "الأصلُ في الأموالِ العِصمةُ": استُثنيَ مِنها المُضطَرُّ إذا وجَدَ طَعامًا [433] يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (4/ 111)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (27/ 74). .
2- قاعِدةُ: "ما حَرُمَ أخذُه حَرُمَ إعطاؤُه": كالرِّبا، ومَهرِ البَغيِّ، وحُلوانِ الكاهِنِ، والرِّشوةِ، وأُجرةِ النَّائِحةِ والزَّامِرِ. واستُثنيَ مِنها أُمورٌ، مِنها: الرِّشوةُ لخَوفٍ على نَفسِه [434] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 150)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 132). . فإذا كانَ الظَّالِمُ لا بُدَّ مِن أخذِه المالَ على كُلِّ حالٍ، لا يَكونُ العاجِزُ عَنِ الدَّفعِ عَن نَفسِه آثِمًا بالإعطاءِ، بخِلافِ القادِرِ؛ فإنَّه بإعطائِه ما يَحرُمُ أخذُه يَكونُ مُعينًا على الظُّلمِ باختيارِه [435] يُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 336). .

انظر أيضا: