موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: على اليَدِ ما أخَذَت حَتَّى تُؤَدِّيَه


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "على اليَدِ ما أخَذَت حَتَّى تُؤَدِّيَه" [3999] يُنظر: ((الإشراف)) لعبد الوهاب (2/630)، ((التجريد)) للقدوري (7/3390)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (7/165). ، وصيغةِ: "الأصلُ فيما يَقبِضُه الإنسانُ مِن مالِ غَيرِه الضَّمانُ" [4000] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (6/534)، ((الكافي)) لابن قدامة (2/217). ، وصيغةِ: "مُطلَقُ الأخذِ سَبَبٌ لوُجوبِ الضَّمانِ" [4001] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/22). ، وصيغةِ: "التَّأديةُ واجِبةٌ في كُلِّ مَأخوذٍ" [4002] يُنظر: ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص: 587). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ هذه القاعِدةُ أنَّ مَن قَبَضَ أو أخَذَ مِلكَ غَيرِه، سَواءٌ كان وديعةً أوِ استِعارةً أو إجارةً أو غَصبًا، فعليه أن يَرُدَّه إلى مالكِه مِن غَيرِ نَقصِ عَينٍ أو صِفةٍ، ولا تَبرَأُ ذِمَّتُه إلَّا برَدِّه إلى صاحِبِه، أمَّا اليَدُ الأمينةُ فلا تُلزَمُ برَدِّ ما أخَذَت إن تَلِف إلَّا إذا فرَّطَت أو تَعَدَّت، أمَّا مَن كانت يَدُه يَدَ ضَمانٍ فيَلزَمُه الرَّدُّ، فيَجِبُ رَدُّ العَينِ المُعارةِ ونَحوِها على مالكِها إن كانت باقيةً، فإن كانت تالِفةً بعَينِ الاستِعمالِ فعلى المُستَعيرِ قيمتُها، وإن كانت مِثليَّةً فعليه رَدُّ مِثلِها، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ مُكَمِّلةً لقاعِدةِ (المُتَعَدِّي ضامِنٌ) [4003] يُنظر: ((الإشراف)) لعبد الوهاب (2/630)، ((التجريد)) للقدوري (7/3390)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (7/165)، ((البيان)) للعمراني (6/534)، ((الكافي)) لابن قدامة (2/217)، ((فتح العلام)) لزكريا الأنصاري (ص: 475)، ((فيض القدير)) للمناوي (4/321). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ والسُّنَّةِ:
1- مِنَ القُرآنِ:
- قَول اللهِ تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [ النساء: 58] .
- وقال اللهُ سُبحانَه: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [ البقرة: 188] .
ووجهُ دَلالةِ الآيَتَينِ على القاعِدةِ واضِحٌ؛ حَيثُ أمَرَتِ الأُولى بأداءِ الأمانةِ إلى أهلِها، وهو مَضمونُ القاعِدةِ، وحَذَّرَتِ الثَّانيةُ مِن أكلِ أموالِ النَّاسِ بالباطِلِ، وفي عَدَمِ أداءِ المالِ إلى صاحِبِه أكلٌ للمالِ بالباطِلِ [4004] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/312) و (3/131)، ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (2/338). .
2- مِنَ السُّنَّةِ:
عَنِ السَّائِبِ بنِ يَزيدَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يَأخُذَنَّ أحَدُكُم مَتاعَ صاحِبِه لاعِبًا ولا جادًّا، ومَن أخذَ عَصا أخيه فليَرُدَّها)) [4005] أخرجه أبو داود (5003) واللفظ له، والترمذي (2160)، وأحمد (17941). حسَّنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (5003)، وصحَّح إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (5003)، وحسَّنه العيني في ((نخب الأفكار)) (13/251). وذهب إلى تصحيحه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1202). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَذَّر أن يَأخُذَ المَرءُ مالَ غَيرِه على وَجهِ الهَزلِ وسَبيلِ المَزحِ، ثُمَّ يَحبِسَه عنه ولا يَرُدَّه، والجِدُّ في ذلك مَمنوعٌ مِنه مِن بابِ أَولى، وهو مَضمونُ القاعِدةِ [4006] يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (4/136)، ((شرح سنن أبي داود)) لابن رسلان (19/163،162). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- إذا غَصَبَ ساحةً فبَنى عليها لَزِمَه قَلعُ البناءِ ورَدُّها عِندَ المالكيَّةِ؛ لأنَّ على اليَدِ ما أخَذَت حَتَّى تُؤَدِّيَه، ولأنَّه شَغَلَ مِلكَ الغَيرِ بمِلكٍ له لا حُرمةَ له -لكَونِه غَصبًا- فوجَبَ رَدُّه [4007] يُنظر: ((المعونة)) (2/1219)، ((الإشراف)) لعبد الوهاب (2/630)، ((الجامع لمسائل المدونة)) لابن يونس الصقلي (18/342). .
2- إذا غَصَبَ طَعامًا فقدَّمَه إلى مالكِه فأكَلَه بَرِئَ الغاصِبُ مِنَ الضَّمانِ عِندَ الحَنَفيَّةِ؛ لأنَّ على اليَدِ ما أخَذَت حَتَّى تُؤَدِّيه، والغاصِبُ قد رَدَّه [4008] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (7/3390). .
3- إذا استَأجَرَ مَركوبًا وتَرَكَه في مَوضِع عُرضةٍ للُّصوصِ والعَبَثِ بها، فسُرِقَ أو تَلِف، فإنَّ المُستَأجِرَ يَضمَنُ ذلك؛ لأنَّ على اليَدِ ما أخَذَت حَتَّى تُؤَدِّيَه [4009] يُنظر: ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص: 587). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
فائِدةٌ:
يَجِبُ على المُستَعيرِ مُؤنةُ رَدِّ العاريَّةِ إلى المُعيرِ، أو مَن يَقومُ مَقامَه، أو ما جَرَتِ العادةُ أنَّه يَقبضُ عنه حُقوقَه، كَخازِنِه، أو زَوجَتِه المُتَصَرِّفةِ بمالِه؛ لأنَّ على اليَدِ ما أخَذَت حَتَّى تُؤَدِّيَه، وهذا يَلزَمُ مِنه إيصالُ ما عِندَ المُستَعيرِ مِنَ العاريَّةِ والأمانةِ إلى المُعيرِ أو مَن يَقومُ مَقامَه، ويَلزَمُ مِن ذلك: أن تَكونَ مُؤنةُ الرَّدِّ -مِنَ الاستِئجارِ على حَملِها إلى المُعيرِ، ونَحوِ ذلك- على المُستَعيرِ؛ لكَونِه لا يَتِمُّ رَدُّ العاريَّةِ إلَّا بذلك [4010] يُنظر: ((تيسير مسائل الفقهـ)) لعبد الكريم النملة (3/ 482). .

انظر أيضا: