موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الثَّالثُ: إذا زالَ التَّعَدِّي يَزولُ الضَّمانُ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "إذا زالَ التَّعَدِّي يَزولُ الضَّمانُ" [4017] يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (9/175). ، وصيغةِ: "لَو أزالَ التَّعَدِّي زالَ ضَمانُه" [4018] يُنظر: ((شرح الوقاية)) لصدر الشريعة (4/256). ، وصيغةِ: "إذا زالَ المَعنى الموجِبُ للضَّمانِ وجَبَ أن يَسقُطَ الضَّمانُ" [4019] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (8/4090). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
إذا تَعَدَّى شَخصٌ وجَبَ عليه الضَّمانُ كما تَقدَّمَ ذِكرُه، فإذا زالَ هذا التَّعَدِّي فإنَّ الضَّمانَ يَزولُ عِندَ الحَنَفيَّةِ؛ لأنَّه ثَبَتَ لأجلِ التَّعَدِّي، وقد زالَ، إلَّا أنَّ القَولَ بزَوالِ الضَّمانِ عِندَ زَوالِ التَّعَدِّي إنَّما يَكونُ في الأماناتِ التي تَكونُ مَنفَعةُ حِفظِها عِندَ المُؤتَمَنِ عليها عائِدةً إلى صاحِبِ المالِ فقَط، وتَقومُ يَدُ الأمينِ مَقامَ يَدِ مالكِها، كالوديعةِ؛ فمَنفعةُ استيداعِها عائِدةٌ إلى المودِعِ الذي هو صاحِبُ المالِ فقَط، وليس للمُستَودَعِ في وضعِ اليَدِ هذا نَفعٌ دُنيَويٌّ، وهذه الأماناتُ هيَ: كالوديعةِ، والمالِ المُستَعارِ لأجلِ الرَّهنِ والذي لم يُرهَنْ بَعدُ، ومالِ الشَّرِكةِ المَوجودِ بيَدِ الشَّريكِ في شَرِكةِ المُفاوضةِ، ومالِ المُضارَبةِ المَوجودِ بيَدِ المَضارِبِ، والبضاعةِ بيَدِ المُستَبضِعِ، والمالِ المَوجودِ بيَدِ الوكيلِ بالبَيعِ والإيجارِ والاستِئجارِ، ففي هذا القِسمِ مِنَ الأماناتِ إذا رَجَعَ الأمينُ إلى الوِفاقِ بَعدَ التَّعَدِّي فإنَّه يَبرَأُ مِنَ الضَّمانِ، بخِلافِ الأماناتِ التي نَفعُ وضعِ اليَدِ فيها يَعودُ على المُستَأجِرِ والمُستَعيرِ؛ فإنَّه يُمسِكُ الشَّيءَ لمَصلَحةِ نَفسِه، فإذا تَعَدَّى ثُمَّ زالَ تَعَدِّيه فلا يَزولُ الضَّمانُ فيها عِندَ الحَنَفيَّةِ، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ مُقَيِّدةٌ لقاعِدةِ (المُتَعَدِّي ضامِنٌ) [4020] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (8/4087)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 234)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (2/290). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالمَعقولِ:
وهو أنَّ يَدَ هذا الأمينِ هيَ في حُكمِ يَدِ صاحِبِ المالِ، فبالعَودةِ إلى الوِفاقِ بَعدَ التَّعَدِّي تَكونُ كَأنَّها قد أُعيدَت ليَدِ صاحِبِ المالِ. فكَما أنَّ الغاصِبَ يَصيرُ بَريئًا مَتى أعادَ المالَ المَغصوبَ إلى صاحِبِه حَقيقةً، فكَذلك يَبرَأُ الأمينُ أيضًا مِن حُكمِ التَّعَدِّي مَتى عادَ إلى الوِفاقِ بَعدَ ذلك [4021] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (2/290). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا رَكِبَ المُستَودَعُ الحَيَوانَ المودَعَ بلا إذنٍ واستَعمَلَه يَكونُ هذا تَعَدِّيًا مِنه، ويَصيرُ في حُكمِ الغاصِبِ، إلَّا أنَّه بَعدَ استِعمالِه إيَّاه على هذه الصُّورةِ ودونَ أن يَتَرَتَّبَ عليه ضَرَرٌ ما -يَعني دونَ أن يَهلِكَ أو يَطرَأَ نُقصانٌ على قيمَتِه- ثُمَّ تَرَكَ الرُّكوبَ على أن لا يَتَعَدَّى -يَعني: أن لا يَركَبَه مَرَّةً ثانيةً- وحِفظَه كما في السَّابقِ، يَصيرُ بَريئًا، وتَنقَلبُ يَدُ الضَّمانِ إلى يَدِ الأمانةِ كما كانت، حَتَّى إذا هَلَكَ الحَيَوانُ أو فُقِدَ بَعدَ ذلك بلا تَعَدٍّ ولا تَقصيرٍ لا يَلزَمُه الضَّمانُ [4022] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (2/291). .
2- إذا تَعَدَّى الموظَّفُ على أموالِ الشَّرِكةِ فإنَّه يَضمَنُها، ثُمَّ إذا أزالَ التَّعَدِّيَ ورَجَعَ عن غَصبِها، زالَ الضَّمانُ، وعادَتِ العَينُ إلى الأمانةِ عِندَ الحَنَفيَّةِ [4023] مستفاد من ((التجريد)) للقدوري (8/ 4087). .
3- إذا سَرَقَ أموالًا مِنَ الوديعةِ ليُنفِقَها، فلَم يُنفِقْها، ثُمَّ رَدَّها إلى مَوضِعِها بَعدَ أيَّامٍ، فضاعَت: لا ضَمانَ عليه عِندَ الحَنَفيَّةِ [4024] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/ 213). ويُنظر أيضًا: ((مجمع الضمانات)) لغانم البغدادي (ص: 83). .

انظر أيضا: