موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: المساواةُ في سَبَبِ الاستِحقاقِ توجِبُ المُساواةَ في الاستِحقاقِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "المُساواةُ في سَبَبِ الاستِحقاقِ توجِبُ المُساواةَ في الاستِحقاقِ" [3364] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (5/170)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/116)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (3/383). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
اشتَهَرَ استِعمالُ هذه القاعِدةِ عِندَ الحَنَفيَّةِ، وهيَ تُفيدُ أنَّ المُساواةَ إذا وقَعَت لأشخاصٍ في السَّبَبِ الموجِبِ للِاستِحقاقِ، فإنَّها توجِبُ المُساواةَ في الاستِحقاقِ، ولا مُعتَبَرَ بالتَّقدُّمِ والتَّأخُّرِ، ولا يَجوزُ حِرمانُهم مِنَ الاستِحقاقِ مَعَ وُجودِ المُساواةِ في سَبَبِ الاستِحقاقِ. وبِتَعَدُّدِ سَبَبِ الاستِحقاقِ لا يَزدادُ الاستِحقاقُ، كما لَو أقامَ رَجُلٌ شاهدَينِ على مِلكِ عَينٍ وأقامَ الآخَرُ عَشَرةً مِنَ الشُّهودِ فإنَّه يُسَوَّى بَينَهما [3365] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (29/172)، ((تقويم النظر)) لابن الدهان (3/209)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/116). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفَرِّعةٌ مِن قاعِدةِ: (تَزاحُمُ الحُقوقِ لا يُقدَّمُ فيها أحَدٌ على أحَدٍ إلَّا بمُرَجِّحٍ). ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ المُساواةَ في سَبَبِ الاستِحقاقِ يَتَعَذَّرُ مَعَها التَّرجيحُ؛ لوُجودِ المُساواةِ، فوجَبَتِ المُساواةُ في الاستِحقاقِ؛ لعَدَمِ وُجودِ التَّرجيحِ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (تَزاحُمُ الحُقوقِ لا يُقدَّمُ فيها أحَدٌ على أحَدٍ إلَّا بمُرَجِّحٍ).
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- إذا جاءَتِ المُزاحَمةُ مَعَ المُساواةِ في الاستِحقاقِ في الشُّفعةِ [3366] هيَ: انتِزاعُ الإنسانِ حِصَّةَ شَريكِه مِن مُشتَريها بمِثلِ ثَمَنِها. يُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (2/232). ، فإنَّه يَثبُتُ لكُلِّ واحِدٍ مِنَ الشُّفَعاءِ أخذُ نِصفِ الدَّارِ بالشُّفعةِ؛ لضَرورةِ المُزاحَمةِ والاستِواءِ في الاستِحقاقِ وإن كان السَّبَبُ في حَقِّ كُلِّ واحِدٍ مِنهما صالِحًا لإثباتِ حَقِّ الشُّفعةِ في الكُلِّ [3367] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/122). .
2- إذا تَنازَعَ رَجُلانِ في دارٍ كُلُّ واحِدٍ مِنهما يَدَّعي أنَّها في يَدِه فعَلى كُلِّ واحِدٍ مِنهما البَيِّنةُ؛ لأنَّ دَعوى اليَدِ مَقصودةٌ كما أنَّ دَعوى المِلكِ مَقصودةٌ؛ لأنَّ باليَدِ يُتَوصَّلُ إلى الانتِفاعِ بالمِلكِ والتَّصَرُّفِ فيه، فإن أقامَ كُلُّ واحِدٍ مِنهما البَيِّنةَ أنَّها في يَدَيه جُعِلَ يَدُ كُلِّ واحِدٍ مِنهما نِصفَها؛ لتَعارُضِ البَيِّنَتَينِ وتَساويهما، فالمُساواةُ في سَبَبِ الاستِحقاقِ توجِبُ المُساواةَ في الاستِحقاقِ [3368] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (17/35). .
3- إذا قَطَعَ رَجُلٌ يَمينَي رَجُلَينِ فلَهما قَطعُ يَمينِه ونِصفُ الدِّيةِ، يَعني إذا حَضَرا مَعًا، سَواءٌ كان القَطعُ جُملةً واحِدةً أو على التَّعاقُبِ؛ لأنَّ المُساواةَ في سَبَبِ الاستِحقاقِ توجِبُ المُساواةَ في الاستِحقاقِ، ولا مُعتَبَرَ بالتَّقدُّمِ والتَّأخُّرِ، كالغَريمَينِ في التَّرِكةِ؛ وهذا لأنَّ حَقَّ كُلِّ واحِدٍ مِنهما ثابِتٌ في كُلِّ اليَدِ؛ لتَقَرُّرِ السَّبَبِ في حَقِّ كُلِّ واحِدٍ مِنهما، وهو القَطعُ، وكَونُه مَشغولًا بحَقِّ الأوَّلِ لا يَمنَعُ تَقَرُّرَ السَّبَبِ في حَقِّ الثَّاني [3369] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/116)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/357). .

انظر أيضا: