المَبحَثُ الخامِسُ: تَقدُّمُ الدَّعوى في حُقوقِ العِبادِ شَرطُ قَبولِها
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "تَقدُّمُ الدَّعوى في حُقوقِ العِبادِ شَرطُ قَبولِها"
[3294] يُنظر: ((الدر المختار)) للحصكفي (ص: 493). ، وصيغةِ: "تَقدُّمُ الدَّعوى الصَّحيحةِ شَرطٌ لنَفاذِ الحُكمِ"
[3295] يُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (5/398). ، وصيغةِ: "البَيِّنةُ لا تُقبَلُ إلَّا بَعدَ تَقدُّمِ الدَّعوى"
[3296] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/117). ، وصيغةِ: "الدَّعوى في حُقوقِ العِبادِ شَرطُ قَبولِ البَيِّنةِ"
[3297] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (8/481). ، وصيغةِ: "يُشتَرَطُ في الحُكمِ سَبقُ الدَّعوى"
[3298] يُنظر: ((مجلة الأحكام العدلية)) (ص: 372). ، وصيغةِ: "يُشتَرَطُ سَبقُ الدَّعوى في الشَّهادةِ بحُقوقِ النَّاسِ"
[3299] يُنظر: ((مجلة الأحكام العدلية)) (ص: 342). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.الدَّعوى عِبارةٌ عن قَولٍ يُقصَدُ به إثباتُ شَيءٍ عارٍ عن بُرهانٍ. ومَتى كان فيها حُجَّةٌ أو بُرهانٌ لَم تَكُنْ دَعوى. وتُفيدُ القاعِدةُ أنَّ كُلَّ ما يَختَصُّ بحُقوقِ العِبادِ مِنَ الأموالِ وغَيرِها يَفتَقِرُ إلى تَقدُّمِ الدَّعوى، والدَّعوى المَسموعةُ هيَ الدَّعوى الصَّحيحةُ، وهيَ أن تَكونَ مَعلومةً مُحَقَّقةً، فلا تُقبَلُ الشَّهاداتُ ولا الأيمانُ إلَّا بَعدَ تَقدُّمِ هذه الدَّعوى، ولَمَّا كان سَبقُ الدَّعوى شَرطًا في الحُكمِ والقَضاءِ فلا يَحكُمُ الحاكِمُ بدونِ الطَّلَبِ والدَّعَواتِ، فيُشتَرَطُ في حُكمِ القاضي في خُصوصِ أمرٍ مُتَعَلِّقٍ بحُقوقِ النَّاسِ ادِّعاءُ أحَدٍ على الآخَرِ في ذلك الخُصوصِ في أوَّلِ الأمرِ
[3300] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (18/35)، ((المبسوط)) للسرخسي (11/117)، ((روضة القضاة)) لابن السمناني (1/163)، ((عقد الجواهر الثمينة)) لابن شاس (3/1075)، ((مجلة الأحكام العدلية)) (ص: 372)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (2/796). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقُرآنِ، والسُّنَّةِ، والإجماعِ:
1- من القُرآنِ:قال اللهُ تعالى:
وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا [الإسراء: 33] .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ قَولَ اللهِ تعالى:
فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا يُفيدُ أنَّ ابتِداءَ الحَقِّ هو طَلَبُ مَن له القِصاصُ
[3301] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (5/24)، ((المهذب)) للشيرازي (3/192)، ((أحكام القرآن)) لابن العربي (3/197). .
2- مِنَ السُّنَّةِ:عن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ رَضيَ اللهُ عنهما، قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((خَيرُكُم قَرني، ثُمَّ الذينَ يَلونَهم، ثُمَّ الذينَ يَلونَهم)) -قال عِمرانُ: لا أدري، أذَكَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعدُ قَرنَينِ أو ثَلاثةً- قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إنَّ بَعدَكُم قَومًا يَخونونَ ولا يُؤتَمَنونَ، ويَشهَدونَ ولا يُستَشهَدونَ، ويَنذِرونَ ولا يَفونَ، ويَظهَرُ فيهمُ السِّمَنُ )) [3302] أخرجه البخاري (2651) واللفظ له، ومسلم (2535). .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ قَولَه:
((يَشهَدونَ ولا يُستَشهَدونَ)) أي: في حُقوقِ العِبادِ مِنَ البُيوعِ والقِصاصِ، وحَدِّ القَذفِ، ونَحوِها، فلا تَصِحُّ شَهادةُ الشَّاهدِ فيه إلَّا بَعدَ تَقدُّمِ الدَّعوى، وطَلَبِ الحاكِمِ شَهادَتَه بَعدَ طَلَبِ المُدَّعي
[3303] يُنظر: ((شرح السنة)) للبغوي (10/140). .
3- مِنَ الإجماعِ:فقد نَقَلَ ابنُ عابِدينَ الإجماعَ على أنَّ تَقدُّمَ الدَّعوى شَرطٌ لنَفاذِ الحُكمِ
[3304] قال: (نُقِل الإجماعُ على أنَّ تَقَدُّمَ الدَّعوى الصَّحيحةِ شَرطٌ لنفاذِ الحُكمِ). ((حاشية ابن عابدين)) (5/398). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- صِحَّةُ اليَمينِ مَشروطةٌ بتَقدُّمِ الدَّعوى الصَّحيحةِ
[3305] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (17/59). .
2- إذا أقامَ صاحِبُ الوديعةِ البَيِّنةَ بَعدَ جُحودِ المودَعِ أنَّه استَودَعَه كَذا، ثُمَّ أقامَ المُستَودَعَ البَيِّنةَ على أنَّها كانت ضاعَت قَبلَ جُحودِه، فهو ضامِنٌ لَها؛ لأنَّ البَيِّنةَ لا تُقبَلُ إلَّا بَعدَ تَقدُّمِ الدَّعوى، وهو مُناقِضٌ في كَلامِه، فجُحودُه أصلَ الإيداعِ يَمنَعُه مِن دَعوى الهَلاكِ قَبلَه، فلِهذا لا تُقبَلُ بَيِّنَتُه، إلَّا أن يُقِرَّ المودَعُ بذلك
[3306] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/117). .
3- مَن باعَ أرضًا ثُمَّ قال: كُنتُ وقَفتُها، أو قال: هيَ وقفٌ عليَّ. فإن لَم يُقِمْ بَيِّنةً على ذلك وأرادَ تَحليفَ المُدَّعى عليه فلَيسَ له ذلك؛ لأنَّ سَبقَ الدَّعوى الصَّحيحةِ شَرطُ التَّحليفِ، وقدِ انعَدَمَ لوُجودِ التَّناقُضِ منه
[3307] يُنظر: ((الفتاوى الهندية)) (2/430). .