المَطلَبُ الأوَّلُ: الظَّاهرُ حُجَّةٌ لدَفعِ الاستِحقاقِ لا لإثباتِه
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الظَّاهرُ حُجَّةٌ لدَفعِ الاستِحقاقِ لا لإثباتِه"
[3308] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (17/50). ، وصيغةِ: "الأصلُ أنَّ الظَّاهرَ يَدفَعُ الاستِحقاقَ، ولا يوجِبُ الاستِحقاقَ"
[3309] يُنظر: ((قواعد الفقهـ)) للبركتي (ص: 11). ، وصيغةِ: الظَّاهرُ يُدفَعُ به الاستِحقاقُ، ولا يَثبُتُ به الاستِحقاقُ"
[3310] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (28/15)، ((غمز عيون البصائر)) للحموي (2/341). ، وصيغةِ: "الظَّاهرُ يَدفَعُ الاستِحقاقَ ولا يوجِبُه"
[3311] يُنظر: ((أصول الكرخي)) مطبوع مع ((تأسيس النظر)) للدبوسي (ص: 238). ، وصيغةِ: "الظَّاهرُ يُعتَبَرُ للدَّفعِ لا للِاستِحقاقِ"
[3312] يُنظر: ((البناية)) للعيني (9/78). ، وصيغةِ: "الظَّاهرُ يَصلُحُ حُجَّةً للدَّفعِ، ولا يَصلُحُ حُجَّةً للِاستِحقاقِ"
[3313] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (7/55). ، و "الظَّاهرُ يَصلُحُ لإبقاءِ ما كان على ما كان ولا يَصلُحُ لإثباتِ أمرٍ لَم يَكُنْ"
[3314] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (8/501). ، وصيغةِ: "الظَّاهرُ يَصلُحُ حُجَّةً للدَّفعِ دونَ إبطالِ الاستِحقاقِ الثَّابِتِ للغَيرِ ظاهرًا"
[3315] يُنظر: ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (4/326). ، وصيغةِ: "الظَّاهرُ يَصلُحُ حُجَّةً للدَّفعِ لا للإلزامِ"
[3316] يُنظر: ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (3/297). ، وصيغةِ: "الظَّاهرُ يَصلُحُ دافِعًا لا موجِبًا للِاستِحقاقِ"
[3317] يُنظر: ((فصول البدائع)) للفناري (1/282). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.اشتَهَر استِعمالُ هذه القاعِدةِ عِندَ الحَنَفيَّةِ، وهيَ تُفيدُ أنَّ الظَّاهرَ إنَّما يَصلُحُ حُجَّةً لدَفعِ الاستِحقاقِ، ولا يَصلُحُ حُجَّةً لإثباتِ الاستِحقاقِ على الغَيرِ، أي أنَّ الظَّاهرَ يُدفَعُ به دَعوى الغَيرِ ولا يُستَحَقُّ به على الغَيرِ شَيءٌ، فلا يَصلُحُ حُجَّةً للإلزامِ، ولا يَثبُتُ به استِحقاقُ شَيءٍ ابتِداءً؛ لأنَّ الظَّاهرَ يَصلُحُ لإبقاءِ ما كان على ما كان، ولا يَصلُحُ لإثباتِ أمرٍ لَم يَكُنْ، فلا بُدَّ مِن إقامةِ البَيِّنةِ للإثباتِ؛ لأنَّ الاستِحقاقَ لا يَثبُتُ إلَّا بدَليلٍ موجِبٍ له
[3318] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (14/163) و(16/158)، ((روضة القضاة)) لابن السمناني (2/861)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (7/55) و(8/501)، ((شرح مشكلات القدوري)) للكردري (1/617)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (3/297)، ((غمز عيون البصائر)) للحموي (2/341). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بقاعِدةِ (الأصلُ بَقاءُ ما كان على ما كان) فإنَّ الظَّاهرَ يَصلُحُ لإبقاءِ ما كان على ما كان، ولا يَصلُحُ لإثباتِ أمرٍ لَم يَكُنْ
[3319] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (8/501). .
قال ابنُ الهمامِ: (المُرادُ بالظَّاهرِ الذي لا يَثبُتُ به الاستِحقاقُ هو: الاستِصحابُ)
[3320] ((فتح القدير)) (7/378). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.مِنَ الأمثلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- القاضي مَأمورٌ بالتَّوقُّفِ في خَبَرِ الفاسِقِ مَنهيٌّ عنِ العَمَلِ به، وإنَّما يَنتَفي الفِسقُ عنهم بالتَّزكيةِ، فما لَم يَظهَرْ ذلك عِندَه بالسُّؤالِ لا يَحِلُّ له أن يَقضيَ؛ لأنَّ ما يَكونُ قَبلَ السُّؤالِ هو ثُبوتُ عَدالَتِهم بالظَّاهرِ، والظَّاهرُ حُجَّةٌ لدَفعِ الاستِحقاقِ لا لإثباتِ الاستِحقاقِ به
[3321] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (9/171). .
2- إذا ماتَ مُسلِمٌ، فجاءَتِ امرَأتُه مُسلِمةً، وقالت: كُنتُ نَصرانيَّةً، وقد أسلَمتُ قَبلَ مَوتِه، وقال الورَثةُ: لا، بَل أسلَمَت بَعدَ مَوتِه، فالقَولُ قَولُ الورَثةِ، ولا يُجعَلُ الحالُ شاهدًا لَها. وبمِثلِه إذا ماتَ كافِرٌ، فجاءَتِ امرَأتُه مُسلِمةً، وقالت: أسلَمتُ بَعدَ مَوتِه، وقال الورَثةُ: بَل أسلَمَت قَبلَ مَوتِه، فالقَولُ قَولُ الورَثةِ؛ لأنَّ حاجَتَهم إلى دَفعِ الاستِحقاقِ تَجعَلُ الظَّاهرَ شاهدًا لَهم، والظَّاهرُ يَصلُحُ حُجَّةً للدَّفعِ لا لإثباتِ شَيءٍ لَم يَكُنْ، والورَثةُ همُ الدَّافِعونَ في المَسألَتَينِ جَميعًا
[3322] يُنظر: ((شرح الزيادات)) لقاضي خان (1/306)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (8/427)، ((البناية)) للعيني (9/78). .
3- إذا قالتِ البِكرُ: لَم أرضَ حينَ بَلَغَني، وادَّعى الزَّوجُ رِضاها، فالقَولُ قَولُها؛ لأنَّ الزَّوجَ يَدَّعي مِلكَ بُضعِها، وهذا مِلكٌ حادِثٌ، وهيَ تُنكِرُ ثُبوتَ مِلكِه عليها، فكانت هيَ المُتَمَسِّكةَ بالأصلِ، فكان القَولُ قَولَها، كما لَوِ ادَّعى أصلَ العَقدِ وأنكَرَت هيَ.
وقيل: القَولُ قَولُ الزَّوجِ؛ لأنَّه مُتَمَسِّكٌ بما هو الأصلُ، وهو السُّكوتُ، والمَرأةُ تَدَّعي عارِضًا، وهو الرَّدُّ، فيَكونُ القَولُ قَولَ مَن يَتَمَسَّكُ بالأصلِ. وأُجيبَ: بأنَّ هذا نَوعٌ ظاهرٌ، والظَّاهرُ يَكفي لدَفعِ الاستِحقاقِ لا لإثباتِ الاستِحقاقِ، وحاجةُ الزَّوجِ هنا إلى إثباتِ الاستِحقاقِ
[3323] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (5/5). .
4- حَياةُ المَفقودِ تَصلُحُ لدَفعِ الإرثِ لا لاستِحقاقِه، فالمَفقودُ حَيٌّ في حَقِّ نَفسِه، فلا يُقسَمُ مالُه بَينَ ورَثَتِه، مَيِّتٌ في حَقِّ غَيرِه، فلا يَرِثُ هو إذا ماتَ أحَدٌ مِن أقرِبائِه؛ لأنَّ في تَوريثِه مِنَ الغَيرِ إثباتُ أمرٍ لَم يَكُنْ ثابِتًا له، ولِأنَّ حَياتَه باعتِبارِ الظَّاهرِ، والظَّاهرُ حُجَّةٌ لدَفعِ الاستِحقاقِ، وليس بحُجَّةٍ للِاستِحقاقِ، فلا يَستَحِقُّ به ميراثَ غَيرِه، ويَندَفِعُ به استِحقاقُ ورَثَتِه لمالِه بهذا الظَّاهرِ؛ لأنَّ الظَّاهرَ حُجَّةُ الدَّفعِ لا حُجَّةُ الاستِحقاقِ
[3324] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/35)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/323)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (6/149). .