موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: لا يُحَلِّفُ القاضي على حَقٍّ مَجهولٍ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "لا يُحَلِّفُ القاضي على حَقٍّ مَجهولٍ" [3246] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 184). ، وصيغةِ: "لا يُحَلَّفُ على حَقٍّ مَجهولٍ [3247] يُنظر: ((قواعد الفقهـ)) للبركتي (ص: 111). ، وصيغةِ: "لا تَحليفَ على حَقٍّ مَجهولٍ" [3248] يُنظر: ((الدر المختار)) للحصكفي (ص: 525)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/448). ، وصيغةِ: "سَبقُ الدَّعوى الصَّحيحةِ شَرطُ التَّحليفِ" [3249] يُنظر: ((الفتاوى الهندية)) (2/430). ، وصيغةِ: "الجَهالةُ كما تَمنَعُ قَبولَ البَيِّنةِ تَمنَعُ الاستِحلافَ" [3250] يُنظر: ((الدر المختار)) للحصكفي (ص: 392)، ((غمز عيون البصائر)) للحموي (2/317). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
اشتَهَر استِعمالُ هذه القاعِدةِ عِندَ الحَنَفيَّةِ، وهيَ تُفيدُ أنَّه يَجِبُ أن يَكونَ المُدَّعى به مَعلومًا؛ ليَكونَ التَّحليفُ على مَعلومٍ أيضًا. فلا تَحليفَ على حَقٍّ مَجهولٍ، فإذا ادَّعى مُدَّعٍ على غَيرِه بحَقٍّ مَجهولٍ، فإنَّ القاضيَ لا يَجوزُ له أن يُحَلِّفَ على الدَّعوى بمَجهولٍ؛ لأنَّ التَّحليفَ فرعُ صِحَّةِ الدَّعوى [3251] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسبكي (1/433)، ((غمز عيون البصائر)) للحموي (2/316)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/448)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 381). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفَرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (الحَقُّ لا يَثبُتُ بمُجَرَّدِ الدَّعوى)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ الحَقَّ المَجهولَ لا يَثبُتُ بمُجَرَّدِ الدَّعوى، بَل لا بُدَّ مِن تَقدُّمِ كَونِه مَعلومًا قَبلَ تَحليفِ القاضي للمُدَّعى عليه.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (الحَقُّ لا يَثبُتُ بمُجَرَّدِ الدَّعوى).
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- لَو ادَّعى على شَريكِه خيانةً مُبهَمةً لَم يُحَلَّفْ؛ لأنَّ الجَهالةَ كما تَمنَعُ قَبولَ البَيِّنةِ تَمنَعُ الاستِحلافَ [3252] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 184)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/492)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 381). .
2- إذا قال المَديونُ: قَضَيتُ بَعضَ دَيني، ولا أدري كَم قَضَيتُ، أو قال: نَسِيتُ قدرَه، وأرادَ أن يُحَلِّفَ الطَّالِبَ لا يُلتَفَتُ إليه؛ لأنَّ دَعوى المَجهولِ كما تَمنَعُ قَبولَ البَيِّنةِ تَمنَعُ الاستِحلافَ [3253] يُنظر: ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 381). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءاتٌ:
استَثنى الأحنافُ مِن هذه القاعِدةِ بَعضَ المَسائِلِ التي يَجري فيها التَّحليفُ على المَجهولِ، فلَو طَلَبَ المُدَّعي فيها يَمينَ المُدَّعى عليه فإنَّه يُحَلَّفُ وإن كان على مَجهولٍ، وهيَ:
1- إذا اتَّهَمَ القاضي وصيَّ اليَتيمِ فإنَّه يُحَلِّفُه نَظَرًا لليَتيمِ.
2- إذا اتَّهَمَ القاضي مُتَولِّيَ الوقفِ فإنَّه يُحَلِّفُه نَظَرًا للواقِفِ.
3- إذا ادَّعى المودِعُ على المودَعِ خيانةً مُبهَمةً فإنَّه يُحَلِّفُه.
4- الرَّهنُ المَجهولُ.
5- في دَعوى الغَصبِ.
6- في دَعوى السَّرِقةِ.
فإذا استُحلِفَ على أحَدِ هذه المَجهولاتِ فحَلَفَ بَرِئَ، وإن نَكَلَ يُجبَرُ على البَيانِ [3254] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 184)، ((غمز عيون البصائر)) للحموي (2/316)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/448)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 381). .

انظر أيضا: