المَطلَبُ الأوَّلُ: الحَقُّ لا يَثبُتُ بمُجَرَّدِ الدَّعوى
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الحَقُّ لا يَثبُتُ بمُجَرَّدِ الدَّعوى"
[3231] يُنظر: ((شرح الزيادات)) لقاضي خان (4/1304). ، وصيغةِ: "مُجَرَّدُ الدَّعوى لا حُجَّةَ فيه"
[3232] يُنظر: ((لطائف الإشارات)) للقشيري (1/555). ، وصيغةِ: "مُجَرَّدُ الدَّعوى ليس بحُجَّةٍ"
[3233] يُنظر: ((الوسيط)) للغزالي (7/327). ، وصيغةِ: "مُجَرَّدُ الدَّعوى مَعَ قيامِ المُعارَضةِ لا يَكونُ حُجَّةً"
[3234] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (7/175). ، وصيغةِ: "مُجَرَّدُ الدَّعوى لا يوجِبُ حُكمًا إلَّا لوَجهِ ضَرورةٍ"
[3235] يُنظر: ((المنتقى)) للباجي (5/224). ، وصيغةِ: "مُجَرَّدُ الدَّعوى لا تَكفي في انتِزاعِ المُدَّعى"
[3236] يُنظر: ((الممتع)) لابن المنجى (3/147)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (6/402). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّه إذا لَم يَكُنْ مَعَ المُدَّعي إلَّا مُجَرَّدُ الدَّعوى فإنَّه لا يُقضى له بها؛ فإنَّ الحُقوقَ لا تَثبُتُ بمُجَرَّدِ الدَّعاوى دونَ إقامةِ الحُجَّةِ، فلا بُدَّ مِن إقامةِ الحُجَّةِ مِنَ المُدَّعي؛ لأنَّ دَعوى المُدَّعي عارَضَها إنكارُ المُنكِرِ، ومُجَرَّدُ الدَّعوى مَعَ قيامِ المُعارَضةِ لا يَكونُ حُجَّةً؛ إذِ الأصلُ عَدَمُ ما يَدَّعيه
[3237] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (7/175)، ((التهذيب)) للبغوي (7/226)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/216)، ((المغني)) لابن قدامة (11/461)، ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (1/214)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (6/402). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ، والإجماعِ، والقَواعِدِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:عن عَبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لَو يُعطى النَّاسُ بدَعواهم لادَّعى ناسٌ دِماءَ رِجالٍ وأموالَهم، ولَكِنَّ اليَمينَ على المُدَّعى عليه )) [3238] أخرجه البخاري (4552)، ومسلم (1711) واللفظ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ:دَلَّ الحَديثُ على أنَّ مُجَرَّدَ الدَّعوى لا تُقبَلُ إلَّا ببَيِّنةٍ، فلا تُثبِتُ الحَقَّ، ولا تُبطِلُ المِلكَ، فإذا لَم يَكُنْ مَعَ المُدَّعي إلَّا مُجَرَّدُ الدَّعوى، فإنَّه لا يُقضى له بها
[3239] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (20/140)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/216)، ((الممتع)) لابن المنجى (3/147)، ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (1/214-215)، ((البناية)) للعيني (13/353). .
2- مِنَ الإجماعِ:ومِمَّن نَقَلَه: الباجيُّ
[3240] قال: (لا خلافَ أنَّه لا يَحكُمُ أحَدٌ بدعواهـ). ((المنتقى)) (5/204). .
3- مِنَ القواعِدِ:يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بقاعِدةِ (الأصلُ بَراءةُ الذِّمَّةِ)، فالأصلُ هو البَراءةُ مِنَ الحُقوقِ حَتَّى تَجِبَ بدَليلٍ.
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- الحَبسُ وغَيرُه مِنَ العُقوباتِ في دَعوى المالِ لا تَثبُتُ بمُجَرَّدِ الدَّعوى قَبلَ أن يَثبُتَ المالُ على المُدَّعى عليه
[3241] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (20/76). .
2- الصُّلحُ على الإنكارِ باطِلٌ حَتَّى يُصالِحَ بَعدَ الإقرارِ بالدَّعوى؛ لأنَّ الصُّلحَ على الإنكارِ مُحَرِّمٌ للحَلالِ ومُحِلٌّ للحَرامِ؛ لأنَّه يُحِلُّ المُعاوضةَ على غَيرِ حَقٍّ ثابِتٍ، وذلك حَرامٌ، ويُحَرِّمُ على المُدَّعي باقيَ حَقِّه، وذلك حَلالٌ. ولِأنَّه صُلحٌ على مُجَرَّدِ الدَّعوى، فوجَبَ أن يَكونَ باطِلًا، كما لَوِ ادَّعى قَتلَ عَمدٍ فصولِحَ عليه مَعَ الإنكارِ
[3242] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (6/369)، ((بحر المذهب)) للروياني (5/405). .
3- الأيمانُ في نَفيِ النَّسَبِ لا تَتَعَلَّقُ بمُجَرَّدِ الدَّعوى، وكَذلك كُلُّ يَمينٍ يَتَعَلَّقُ بها حُكمٌ في جِنسَينِ فلا يَجِبُ بمُجَرَّدِ الدَّعوى، كالطَّلاقِ والعِتقِ
[3243] يُنظر: ((المنتقى)) للباجي (6/20). .
4- مُجَرَّدُ الدَّعوى لا توجِبُ إحضارَ المُدَّعى عليه؛ لأنَّ في إحضارِه مَشغَلةً عن إشغالِه، وتَضييعًا لمالِه مِن غَيرِ موجِبٍ ثابِتٍ لذلك
[3244] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (12/239). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استِثناءاتٌ:يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ ما لا يوقَفُ عليه إلَّا مِن جِهةِ المُدَّعي، ولا يوقَفُ عليه مِن جِهةِ غَيرِه، فيُجعَلُ القَولُ فيه قَولَه للضَّرورةِ، ومِثالُ ذلك: ادِّعاءُ الحَيضِ إذا كانتِ المَرأةُ مُؤتَمَنةً
[3245] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/216). .