الفَرعُ الرَّابِعُ: الشُّبهةُ لا تُسقِطُ التَّعزيرَ وتُسقِطُ الكَفَّارةَ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الشُّبهةُ لا تُسقِطُ التَّعزيرَ وتُسقِطُ الكَفَّارةَ"
[3015] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 123). ، وصيغةِ: "هَل تَسقُطُ الكَفَّارةُ بالشُّبهةِ؟"
[3016] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/226). ، وصيغةِ: "الشُّبهةُ لا تَمنَعُ مِنَ التَّعزيرِ"
[3017] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (14/235). ، وصيغةِ: "التَّعزيرُ يَثبُتُ مَعَ الشُّبهةِ"
[3018] يُنظر: ((نصاب الاحتساب)) للسنامي (ص: 105)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 111). ، وصيغةِ: "الشُّبهةُ تورِثُ سُقوطَ الحَدِّ، ولا تُسقِطُ التَّعزيرَ"
[3019] يُنظر: ((زاد المعاد)) لابن القيم (5/58). ، وصيغةِ: "التَّعزيرُ بمَنزِلةِ المالِ يَثبُتُ مَعَ الشُّبُهاتِ"
[3020] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (20/108). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الشُّبهةَ إذا تَمَكَّنَت فإنَّها تُسقِطُ الكَفَّارةَ كالحُدودِ، ولَكِنَّها لا تُسقِطُ التَّعزيرَ، فيَثبُتُ التَّعزيرُ حتَّى مَعَ وُجودِ الشُّبهةِ، وشَرطُ الشُّبهةِ: أن تَكونَ قَويَّةً، وإلَّا فلا أثَرَ لَها في إسقاطِ الكَفَّارةِ. فالكَفَّاراتُ لمَّا كانت تَتَضَمَّنُ مَعنى العُقوبةِ أسقَطَها اللَّهُ تعالى عَمَّن وقَعَ في المَحذورِ الذي تَلزَمُ له الكَفَّارةُ أصلًا إذا اقتَرَنَ بحالِ فِعلِه للمَحذورِ شُبهةٌ تُؤَثِّرُ في ثُبوتِ وُقوعِ المُخالَفةِ مِنه، أو في قَصدِه إليها أو نَحوِ ذلك، وصورةُ التَّيسيرِ المُتَرَتِّبةُ على هذه القاعِدةِ ظاهرةٌ؛ حَيثُ أسقَطَ الشَّارِعُ الكَفَّارةَ عَمَّنِ استَحَقَّها؛ لقيامِ الشُّبهةِ العارِضةِ المانِعةِ مِن لُزومِها للمُكَلَّفِ
[3021] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 123)، ((القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير)) لعبد الرحمن آل عبد اللطيف (2/682). ويَرى ابنُ نُجَيمٍ أنَّ الكَفَّاراتِ لا تَسقُطُ مَعَ الشُّبهةِ، فقال: (الكَفَّاراتُ تَثبُتُ مَعَها أيضًا إلَّا كَفَّارةَ الفِطرةِ في رَمَضانَ فإنَّها تُسقِطُها؛ ولِذا لا تَجِبُ على النِّسيانِ والخَطَأِ، وبِإفسادِ صَومٍ مُختَلَفٍ في صِحَّتِهـ). ((الأشباه والنظائر)) (ص: 111). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (الشُّبهةُ كالحَقيقةِ فيما يَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ الكَفَّارةَ مِمَّا يَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ، فلا تَثبُتُ مَعَ الشُّبهةِ؛ لأنَّ الشُّبهةَ كالحَقيقةِ في إسقاطِ ما يَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ:يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالإجماعِ والقَواعِدِ:
1- مِنَ الإجماعِ:وقد حَكاه الكاسانيُّ على صورةٍ مِن صُوَرِ القاعِدةِ، وهو جَوازُ التَّوكيلِ بالتَّعزيرِ
[3022] قال: (يَجوزُ التَّوكيلُ بالتَّعزيرِ إثباتًا واستيفاءً بالاتِّفاقِ. وللوكيلِ أن يَستَوفيَ، سَواءٌ كان الموكَّلُ غائِبًا أو حاضِرًا؛ لأنَّه حَقُّ العَبدِ، ولا يَسقُطُ بالشُّبُهاتِ، بخِلافِ الحُدودِ والقِصاصِ؛ ولِهذا ثَبَتَ بشَهادةِ رَجُلٍ وامرَأتَينِ، فأشبَهَ سائِرَ الحُقوقِ بخِلافِ الحَدِّ والقِصاصِ). ((بدائع الصنائع)) (6/21). .
2- مِنَ القَواعِدِ:فيُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (الشُّبهةُ كالحَقيقةِ فيما يَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ).
قال ابنُ القَيِّمِ: (القياسُ وقَواعِدُ الشَّريعةِ يَقتَضي القَولَ بموجِبِ هذه الحُكومةِ)
[3023] ((زاد المعاد)) (5/58). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- إذا جامَعَ ناسيًا في الصَّومِ أوِ الحَجِّ فلا كَفَّارةَ؛ للشُّبهةِ، فالكَفَّارةُ تُشبِهُ العُقوبةَ، فالتَحَقَت بالحَدِّ في الإسقاطِ، والشُّبهةُ تُسقِطُ الكَفَّارةَ، ولَكِنَّها لا تُسقِطُ التَّعزيرَ، فلا تَسقُطُ الفِديةُ في الحَجِّ بالشُّبهةِ؛ لأنَّها تَضَمَّنَت غَرامةً، بخِلافِ الكَفَّارةِ؛ فإنَّها تَضَمَّنَت عُقوبةً
[3024] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/226)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 123)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/708). .
2- إذا جامَعَ الصَّائِمُ زَوجَتَه على ظَنِّ أنَّ الشَّمسَ غَرَبَت، أو أنَّ اللَّيلَ باقٍ، وبانَ خِلافُه، فإنَّه يُفطِرُ وعليه القَضاءُ، ولا كَفَّارةَ؛ للشُّبهةِ، والشُّبهةُ لا تُسقِطُ التَّعزيرَ، وتُسقِطُ الكَفَّارةَ
[3025] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/226)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 123). .
3- مَن أفطَرَ بشَيءٍ يَظُنُّ عَدَمَ الفِطرِ به؛ لكَونِه استَفتى فقيهًا يَعتَمِدُ على قَولِه فأفتاه، أو سَمِعَ حَديثًا ولَم يَعلَمْ تَأويلَه، فلا كَفَّارةَ عليه؛ للشُّبهةِ، وإن أخطَأ المُفتي، ولَم يَثبُتِ الأثَرُ؛ لأنَّ ظاهرَ الفتوى والحَديثِ يُعَدُّ شُبهةً
[3026] يُنظر: ((الدر المختار)) للحصكفي (ص: 147)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/411). .
4- إذا قال الرَّجُلُ لامرَأتِه: "أنتِ عَليَّ حَرامٌ" وهيَ مُحَرَّمةٌ عليه لحَيضٍ أو نَحوِه، أو قال: "أنتِ كَأُمِّي" مِمَّا يَحتَمِلُ الظِّهارَ وغَيرَه، ولَم يَكُنْ له قَصدٌ مُعَيَّنٌ، فإنَّه لا يَكونُ ظِهارًا، فلا كَفَّارةَ
[3027] يُنظر: ((القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير)) لعبد الرحمن آل عبد اللطيف (2/687). .
5- لا قَطعَ بسَرِقةِ ما ظَنَّه مِلكَه، أو مِلكَ أبيه، أوِ ابنِه، وكَذا لَوِ ادَّعى كَونَ المَسروقِ مِلكَه، سَقَطَ القَطعُ؛ للشُّبهةِ، لَكِنَّ هذه الشُّبهةَ لا تُسقِطُ التَّعزيرَ
[3028] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/708). .