الفَرعُ الثَّالِثُ: ما يَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ لا يَثبُتُ بحُجَّةٍ فيها شُبهةٌ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "ما يَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ لا يَثبُتُ بحُجَّةٍ فيها شُبهةٌ"
[3003] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (16/114). ، وصيغةِ: "ما يَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ لا يُستَوفى مَعَ الشُّبهةِ"
[3004] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (9/138). ، وصيغةِ: "الحُدودُ لا تُقامُ بحُجَّةٍ فيها شُبهةٌ"
[3005] يُنظر: ((شرح أدب القاضي للخصاف)) للصدر الشهيد (2/214)، ((نتائج الأفكار)) لقاضي زاده (8/187). ، وصيغةِ: "الحُدودُ لا تُستَوفى مَعَ الشُّبُهاتِ"
[3006] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/55). ، وصيغةِ: "القِصاصُ لا يُستَوفى مَعَ الشُّبهةِ"
[3007] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (26/162)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/55)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (8/123). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.اشتَهَرَ استِعمالُ هذه القاعِدةِ عِندَ الحَنَفيَّةِ، وهيَ تُفيدُ أنَّ ما يَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ كالحُدودِ والقِصاصِ لا يَثبُتُ بحُجَّةٍ فيها شُبهةٌ؛ تَيسيرًا للتَّحَرُّزِ عنها؛ لأنَّه يُحتالُ لدَرئِها، فلا تُقامُ الحُدودُ ولا يُستَوفى القِصاصُ بحُجَّةٍ فيها شُبهةٌ، كَشَهادةِ النِّساءِ، أوِ الشَّهادةِ على الشَّهادةِ
[3008] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (16/114)، ((شرح أدب القاضي للخصاف)) للصدر الشهيد (2/214، 268)، ((معين الحكام)) للطرابلسي (ص: 67). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (الشُّبهةُ كالحَقيقةِ فيما يَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ ما يَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ تُؤَثِّرُ فيه الشُّبهةُ، كالحَقيقةِ، فلا يَثبُتُ مَعَ وُجودِ الشُّبهةِ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (الشُّبهةُ كالحَقيقةِ فيما يَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- الحُدودُ لا تَجِبُ فيها الأيمانُ؛ لأنَّه يَحصُلُ باليَمينِ نُكولٌ عنِ الحَقِّ المُدَّعى، وفي ذلك شُبهةٌ، والحُدودُ لا تُقامُ بحُجَّةٍ فيها شُبهةٌ
[3009] يُنظر: ((شرح أدب القاضي للخصاف)) للصدر الشهيد (2/214). .
2- لا تَجوزُ شَهادةُ النِّساءِ في الحُدودِ والقِصاصِ؛ لأنَّ شَهادةَ النِّساءِ لا تَخلو عن شُبهةٍ؛ لأنَّهنَّ جُبِلنَ على السَّهوِ والغَفلةِ، ونُقصانِ العَقلِ والدِّينِ، فيَقِلُّ مَعَهنَّ مَعنى الضَّبطِ والفَهمِ، وإلى ذلك أشارَ اللَّهُ تعالى في قَولِه عَزَّ وجَلَّ:
أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى [البقرة: 282] ، ووَصَف رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النِّساءَ بنُقصانِ العَقلِ والدِّينِ
[3010] لَفظه: عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ، قال: ((خرج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أضحى -أو فِطرٍ- إلى المصلَّى، فمرَّ على النِّساءِ، فقال: يا مَعشَرَ النِّساءِ تصدَّقْنَ، فإنِّي أُريتُكنَّ أكثَرَ أهلِ النَّارِ. فقُلْنَ: وبمَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: تُكثِرْنَ اللَّعنَ، وتَكفُرْنَ العشيرَ، ما رأيتُ من ناقصاتِ عَقلٍ ودينٍ أذهَبَ للُبِّ الرَّجُلِ الحازمِ مِن إحداكُنَّ. قُلنَ: وما نُقصانُ دينِنا وعَقلِنا يا رسولَ اللهِ؟ قال: أليس شهادةُ المرأةِ مِثلَ نِصفِ شهادةِ الرَّجُلِ؟ قُلنَ: بلى. قال: فذلك من نُقصانِ عَقلِها، أليس إذا حاضَت لم تُصَلِّ ولم تَصُمْ؟ قُلنَ: بلى. قال: فذلك من نقصانِ دينِها)). أخرجه البخاري (304) واللَّفظُ له، ومسلم (80). . والحُدودُ تَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ، وما يَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ لا يَثبُتُ بحُجَّةٍ فيها شُبهةٌ؛ تَيسيرًا للتَّحَرُّزِ عنها
[3011] يُنظر: ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (6/293)، ((المبسوط)) للسرخسي (16/113)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/279). .
3- لا تَجوزُ الشَّهادةُ على الشَّهادةِ في إثباتِ ما يَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ، كالحُدودِ والقِصاصِ، ولا تُقامُ الحُدودُ بالشَّهادةِ على الشَّهادةِ؛ لأنَّ في الشَّهادةِ على الشَّهادةِ ضَربَ شُبهةٍ، مِن حَيثُ البَدَلُ القائِمُ مَقامَ الأصلِ، أو مِن حَيثُ إنَّ فيها زيادةَ احتِمالٍ؛ حَيثُ إنَّ الكَلامَ إذا تَداولَته الألسُنُ يَحتَمِلُ دُخول زيادةٍ أو نُقصانٍ فيه، فلا يَثبُتُ بذلك ما كان يَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ
[3012] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (9/170) و(26/105)، ((شرح أدب القاضي للخصاف)) للصدر الشهيد (2/214). .
4- إذا شَهدَ أربَعةٌ على رَجُلٍ أنَّه زَنى بامرَأةٍ، فشَهدَ أربَعةٌ آخَرونَ على الشُّهودِ أنَّهم همُ الزُّناةُ بها؛ لم يُحَدَّ المَشهودُ عليه؛ لأنَّ شَهادةَ الآخَرينَ تَضَمَّنَت جَرحَ الأوَّلينَ، وشَهادةُ الآخَرينَ تَتَطَرَّقُ إليها التُّهمةُ
[3013] يُنظر: ((الممتع)) لابن المنجى (4/255)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (9/492). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استِثناءاتٌ:يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ التي تَصِحُّ فيها الأيمانُ، فالحُدودُ لا يَجري فيها أيمانٌ إلَّا السَّرِقةَ، أي: لا يُستَحلَفُ في الحُدودِ إلَّا في السَّرِقةِ؛ فإنَّه يُستَحلَفُ فيها إن طَلَبَ المُدَّعي الضَّمانَ فإنَّه يُحَلَّفُ المُدَّعى عليه؛ لأنَّ المالَ يَثبُتُ مَعَ الشُّبُهاتِ؛ ولِذلك يَثبُتُ بالشَّهادةِ على الشَّهادةِ، وشَهادةِ رَجُلٍ وامرَأتَينِ، فجازَ أن يَثبُتَ بالنُّكولِ
[3014] يُنظر: ((شرح أدب القاضي للخصاف)) للصدر الشهيد (2/214)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/299)، ((معين الحكام)) للطرابلسي (ص: 67). .