موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: الشُّبهةُ تَعمَلُ عَمَلَ الحَقيقةِ فيما هو مَبنيٌّ على الاحتياطِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الشُّبهةُ تَعمَلُ عَمَلَ الحَقيقةِ فيما هو مَبنيٌّ على الاحتياطِ" [2984] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (17/99). ، وصيغةِ: "الشُّبهةُ مُلحَقةٌ بالحَقيقةِ في مَوضِعِ الاحتياطِ" [2985] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (3/458). ، وصيغةِ: "الشُّبهةُ فيما هو مَبنيٌّ على الاحتياطِ تَعمَلُ عَمَلَ الحَقيقةِ" [2986] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (21/37). ، وصيغةِ: "الشُّبهةُ تَقومُ مَقامَ الحَقيقةِ فيما يُبنى على الاحتياطِ" [2987] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (13/33). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
الاحتياطُ: هو طَلَبُ الأحوَطِ، والأخذُ بأوثَقِ الوُجوهِ، وتُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الشُّبهةَ إذا تَمَكَّنَت فإنَّها تُعتَبَرُ، وتَعمَلُ عَمَلَ الحَقيقةِ وتَقومُ مَقامَها في أبوابِ المَسائِلِ التي تُبنى أحكامُها على الاحتياطِ، كالمُحَرَّماتِ، والعِدَّةِ، وغَيرِها [2988] يُنظر: ((أصول السرخسي)) (2/195)، ((المغني)) لابن قدامة (13/33) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/198)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (2/245)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/156). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (الشُّبهةُ كالحَقيقةِ فيما يَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ ما بُنيَ أمرُه على الاحتياطِ فالشُّبهةُ فيه كالحَقيقةِ، فيَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (الشُّبهةُ كالحَقيقةِ فيما يَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ:
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- لا يَجوزُ بَيعُ الحِنطةِ بالدَّقيقِ مُتَساويًا ولا مُتَفاضِلًا؛ لأنَّ بَينَ الحِنطةِ والدَّقيقِ شُبهةَ المُجانَسةِ؛ فإنَّ عَمَلَ الطَّحنِ في الصُّورةِ هو تَفريقُ الأجزاءِ، وإن كان في الحُكمِ الدَّقيقُ غَيرَ الحِنطةِ، ويُجعَلُ الدَّقيقُ حاصِلًا بالطَّحنِ؛ ولِهذا كان للغاصِبِ إذا طَحَنَ الحِنطةَ إلَّا أنَّ الرِّبا مَبنيٌّ على الاحتياطِ، فالشُّبهةُ فيه تَعمَلُ على الحَقيقةِ، وعِندَ وُجودِ حَقيقةِ المُجانَسةِ لا يَجوزُ بَيعُ البَعضِ بالبَعضِ إلَّا مُتَساويًا، فكذلك إذا وجَبَت شُبهةُ المُجانَسةِ، فكَما أنَّ حَقيقةَ الفضلِ تَكونُ رِبًا فكذلك شُبهةُ الفَضلِ، ولا يُعرَفُ التَّساوي في الكَيلِ بَينَ الدَّقيقِ والحِنطةِ، فالدَّقيقُ لا يَصيرُ حِنطةً قَطُّ، ولَكِنَّ الحِنطةَ تُطحَنُ، ولا يُدرى أنَّ بَعدَ الطَّحنِ يَتَساويانِ في المِكيالِ أم لا، فإذا كان بالتَّساوي في المِعيارِ في الحالِ لا يُعلَمُ التَّساوي بَينَهما بَعدَ الطَّحنِ لا يَجوزُ بَيعُ أحَدِهما بآخَرَ [2989] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (12/177)، ((أصول السرخسي)) (2/195). ويُنظر أيضًا: ((البناية)) للعيني (8/176). .
2- إذا باعَ رَجُلٌ شَيئًا نَقدًا أو نَسيئةً، وقَبضَه المُشتَري ولَم يَنقُدْ ثَمَنَه، فلا يَجوزُ لبائِعِه أن يَشتَريَه مِن مُشتَريه بأقَلَّ مِن ثَمَنِه الذي باعَه مِنه عِندَ الحَنَفيَّةِ؛ لوُجودِ شُبهةِ الرِّبا، والشُّبهةُ مُلحَقةٌ بالحَقيقةِ في بابِ المُحرَّماتِ احتياطًا [2990] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/198). .
3- النَّسَبُ يَثبُتُ بشُبهةِ النِّكاحِ إذا اتَّصَلَ به الدُّخولُ، وهذه الشُّبهةُ تَثبُتُ بالنِّكاحِ الفاسِدِ تارةً، وبإخبارِ المُخبِرِ أنَّها امرَأتُه تارةً؛ لأنَّ الشُّبهةَ تَعمَلُ عَمَلَ الحَقيقةِ فيما هو مَبنيٌّ على الاحتياطِ، وأمرُ النَّسَبِ مَبنيٌّ على الاحتياطِ، ومَتى ثَبَتَ النَّسَبُ بالشُّبهةِ لا يُمكِنُ نَفيُه بحالٍ [2991] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (17/99). .

انظر أيضا: