موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: الشُّبهةُ كالحَقيقةِ فيما يَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الشُّبهةُ كالحَقيقةِ فيما يَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ" [2975] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (9/168)، ((البناية)) للعيني (7/53)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (7/370). ، وصيغةِ: "الصُّورةُ في إيراثِ الشُّبهةِ بمَنزِلةِ الحَقيقةِ في دَرءِ ما يَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ" [2976] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (9/77). ، وصيغةِ: "الشُّبهةُ تَعمَلُ عَمَلَ الإتلافِ فيما يَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ" [2977] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (9/168). ، وصيغةِ: "الشُّبهةُ كالحَقيقةِ في سُقوطِ الحَدِّ" [2978] يُنظر: ((الوسيط)) للغزالي (5/107). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الشُّبهةَ تُنزَّلُ مَنزِلةَ الحَقيقةِ في إسقاطِ العُقوباتِ التي تَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ، كالحُدودِ والقِصاصِ والكَفَّاراتِ. والشُّبهةُ إنَّما تُعتَبَرُ عِندَ إمكانِ الحَقيقةِ [2979] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (9/77)، ((شرح مشكل الوسيط الوسيط)) لابن الصلاح (3/598)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (2/285)، ((التعليق على الجامع الصغير)) للكنوي (ص: 315). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ:
وهو أنَّ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه أخَذَ الجِزيةَ مِنَ المَجوسِ لمَّا شَهدَ عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخَذَها مِن مَجوسِ هَجَرَ [2980] لَفظُه: عن سُفيانَ، قال: سَمِعتُ عَمْرًا قال: كُنتُ جالِسًا مَعَ جابِرِ بنِ زَيدٍ، وعَمرِو بنِ أوسٍ، فحَدَّثَهما بَجالةُ -سَنةَ سَبعينَ، عامَ حَجَّ مُصعَبُ بنُ الزُّبَيرِ بأهلِ البَصرةِ عِندَ دَرَجِ زَمزَمَ- قال: كُنتُ كاتِبًا لجَزءِ بنِ مُعاويةَ عَمِّ الأحنَفِ، فأتانا كِتابُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ قَبلَ مَوتِه بسَنةٍ: فرِّقوا بَينَ كُلِ ذي مَحرَمٍ مِنَ المَجوسِ، ولَم يَكُنْ عُمَرُ أخَذَ الجِزيةَ مِنَ المَجوسِ حتَّى شَهدَ عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخَذَها مِن مَجوسِ هَجَرَ. أخرجه البخاري (3156، 3157). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أخذُ الجِزيةِ مِنَ المَجوسِ ليس خاصًّا بمَجوسِ هَجَرَ، بَل عامٌّ لجَميعِ المَجوسِ، والعِلَّةُ في أخذِها مِنَ المَجوسِ دونَ غَيرِهم مِنَ المُشرِكينَ أنَّ لَهم شُبهةَ كِتابٍ، والشُّبهةُ تَقومُ مَقامَ الحَقيقةِ، فهذه الشُّبهةُ مَنَعَت دِماءَهم وأموالَهم بأخذِ الجِزيةِ، ولَكِن لمَّا كانت غَيرَ مُتَيَقَّنةٍ لم تَحِلَّ ذَبائِحُهم ونِساؤُهم [2981] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (13/33)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (25/479). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- لا يَحِلُّ الزَّواجُ بالصَّبيَّةِ الصَّغيرةِ التي لا تُشتَهى، وعليه فمَن قَذَف الذي جامَعَ هذه الصَّبيَّةَ لا حَدَّ عليه؛ لارتِكابِه وَطئًا حَرامًا، والصُّورةُ في إيراثِ الشُّبهةِ بمَنزِلةِ الحَقيقةِ في دَرءِ ما يَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ [2982] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (9/77). .
2- السَّارِقُ الذي تَتَكَرَّرُ سَرِقَتُه لا تُقطَعُ يَدُه اليُسرى ولا رِجلُه اليُمنى؛ لأنَّ قَطعَ الأعضاءِ الأربَعةِ - اليَدينِ والرِّجلَينِ- فيه شُبهةُ الإتلافِ له حُكمًا؛ فإنَّ فيه تَفويتَ مَنفعةِ الجِنسِ على الكَمالِ، وبَقاءُ الشَّخصِ حُكمًا ببَقاءِ مَنافِعِه. والشُّبهةُ كالحَقيقةِ فيما يَندَرِئُ بالشُّبُهاتِ، والحُدودُ شُرِعَت للزَّجرِ لا للإتلافِ [2983] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (9/168)، ((البناية)) للعيني (7/52). .

انظر أيضا: