المَطلَبُ الثَّاني: مِنَ القَواعِدِ المُندَرِجةِ تَحتَ قاعِدةِ الخُروجُ مِنَ الخِلافِ مُستَحَبٌّ: عِندَ المُنازَعةِ يُرَدُّ المُختَلَفُ فيه إلى المُتَّفَقِ عليه
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ. استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "عِندَ المُنازَعةِ يُرَدُّ المُختَلَفُ فيه إلى المُتَّفَقِ عليه"
[2688] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (30/181). ، وصيغةِ: "يُرَدُّ المُختَلَفُ فيه إلى ما هو المَعلومُ في نَفسِه"
[2689] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/83). ، وصيغةِ: "رَدُّ المُختَلَفِ فيه إلى المُتَّفَقِ عليه إذا اتَّفقا في المَعنى أَولى"
[2690] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (3/ 487). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. تُفيدُ القاعِدةُ أنَّه عِندَ التَّنازُعِ والاختِلافِ في أمرٍ مِنَ الأُمورِ فلأجلِ إزالةِ هذا الخِلافِ ورَفعِه فإنَّهما يَرُدَّانِ المُختَلَفَ فيه إلى مَثيلِه المُتَّفَقِ عليه بَينَهما
[2691] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (7/480). ويُنظر أيضًا: ((الواضح)) لابن عقيل (2/ 332)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (3/ 320). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ. دَلَّ على هذه القاعِدةِ القُرآنُ والمَعقولُ:
1- مِنَ القُرآنِ: يُمكِنُ الاستِدلالُ على هذه القاعِدةِ بعُمومِ الأدِلَّةِ التي تَحُثُّ على رَدِّ المُتَشابِهِ إلى المُحكَمِ والمُختَلَفِ فيه إلى مَن لَدَيه القَولُ الفَصلُ الذي لا خِلافَ مَعَه، ومِن ذلك:
- قَول اللهِ تعالى:
فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء: 59] .
- وقال اللهُ سُبحانَه:
وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: 83] .
- وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ:
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ [آل عمران: 7] .
فالخِلافُ مِنَ المُشتَبِهاتِ فيَكونُ الخُروجُ مِنه برَدِّه إلى الأمرِ الذي اتُّفِقَ عليه.
2- مِنَ المَعقولِ: وذلك على النَّحوِ التَّالي:
- أنَّ رَدَّ المُختَلَفِ فيه إلى المُتَّفَقِ عليه أقوى في غَلَبةِ الظَّنِّ بإصابةِ الحَقِّ
[2692] يُنظر: ((طبقات الشافعية الكبرى)) لابن السبكي (5/ 44). .
- كما أنَّ المَثيلَ المُتَّفَقَ عليه أقرَبُ إلى العَدلِ والصَّوابِ ورَفعِ الخِلافِ.
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ. مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا اشتَرى أرضًا، واشتَرَطَ لَها طَريقًا مِن أرضِ البائِعِ، فإنَّ عَرضَ الطَّريقِ إذا اختُلِف في تَحديدِه يُرَدُّ إلى مِقدارِ حاجةِ السَّائِرِ فيه بسَيَّارَتِه، وبِمِقدارٍ ما تَستَطيعُ سَيَّارَتانِ مُتَقابِلَتانِ أن تَعبُرا بدونِ أن تَصطَدِمَ إحداهما بالأُخرى، وهذا أمرٌ مُتَّفَقٌ عليه في هذا العَصرِ، وهو أن لا يَقِلَّ عَرضُ الطَّريقِ عن إمكانِ عُبورِ سَيَّارَتَينِ مُتَقابِلَتَينِ بدونِ اصطِدامِ إحداهما بالأُخرى
[2693] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (30/181)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (7/480). .
2- إذا غَصَبَ شَخصٌ مِن آخَرَ ثَوبًا وجاءَ الغاصِبُ بثَوبٍ خَلَقٍ، وقال: هذا الذي غَصَبتُكَه وهو على حالِه، وقال رَبُّ الثَّوبِ: بَل كان ثَوبي جَديدًا حينَ غَصَبتَه، فالقَولُ قَولُ الغاصِبِ مَعَ يَمينِه؛ لإنكارِه قَبضَ الثَّوبِ حين كان جَديدًا، ولأنَّ الظَّاهرَ شاهدٌ له؛ فإنَّ صِفةَ الثَّوبِ في الحالِ مَعلومٌ، وعِندَ الغَصبِ مُختَلَفٌ فيه، فيُرَدُّ المُختَلَفُ فيه إلى ما هو المَعلومُ في نَفسِه
[2694] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/83). .
3- الخِلافُ في حُكمِ الزَّكاةِ في الخَيلِ؛ فإنَّه بالنَّظَرِ إلى هذه القاعِدةِ فإنَّ الخَيلَ في مَعنى البِغالِ والحَميرِ التي قد أجمَعَ العُلَماءُ أنْ لَا زَكاةَ فيها، فيُرَدُّ المُختَلَفُ فيه -وهو زَكاةُ الخَيلِ- إلى المُتَّفَقِ عليه -وهو عَدَمُ الزَّكاةِ في البِغالِ والحَميرِ- فلا زَكاةَ فيها؛ لأنَّ رَدَّ المُتَّفَقِ عليه إلى المُختَلَفِ فيه إذا اتَّفقا في المَعنى أَولى
[2695] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (3/ 487). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش