موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّالِثُ: إذا اختَلَف الحُكمُ بالنَّظَرِ إلى الفِعلِ أوِ المَحَلِّ فأيُّهما يُقدَّمُ؟


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "إذا اختَلَف الحُكمُ بالنَّظَرِ إلى الفِعلِ أوِ المَحَلِّ فأيُّهما يُقدَّمُ؟" [2637] يُنظر: ((القواعد)) للمقري (1/309). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
اختَلَف العُلَماءُ فيما إذا اختَلَف الحُكمُ بالنَّظَرِ إلى الفِعلِ أوِ المَحَلِّ، فأيُّهما يُقدَّمُ؟ هَل يُقدَّمُ الفِعلُ ويَكونُ النَّظَرُ إليه والحُكمُ وَفقًا لاعتِبارِه، أو يُقدَّمُ المَحَلُّ ويَكونُ الحُكمُ وَفقًا لاعتِبارِه دونَ الفِعلِ؟ في ذلك خِلافٌ بَينَ العُلَماءِ؛ فمالِكٌ يُقدِّمُ الفِعلَ، ويَكونُ الحُكمُ عِندَه وَفقًا للفِعلِ، والشَّافِعيُّ يُقدِّمُ المَحَلَّ ويَكونُ الحُكمُ عِندَه وَفقًا للمَحَلِّ [2638] يُنظر: ((القواعد)) للمقري (1/309). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
هذه القاعِدةُ مُستَنِدةٌ على التَّرجيحِ بَينَ ظَنَّيينِ مُتَعارِضينِ بتَقويةِ أحَدِهما على الآخَرِ عَبرَ مُرَجِّحاتٍ.
قال ابنُ رَجَبٍ: (وقد يَقَعُ الاشتِباهُ في الحُكمِ لكَونِ الفَرعِ مُتَرَدِّدًا بَينَ أُصولٍ تَجتَذِبُهـ) [2639] ((جامع العلوم والحكم)) (1/202). .
وقال ابنُ النَّجَّارِ: ("وضابِطُ التَّرجيحِ" يَعني القاعِدةَ الكُلِّيَّةَ في التَّرجيحِ "أنَّه مَتى اقتَرَنَ بأحَدِ" دَليلَينِ "مُتَعارِضَينِ أمرٌ نَقليٌّ" كَآيةٍ أو خَبَرٍ "أو" أمرٌ "اصطِلاحيٌّ" كَعُرفٍ أو عادةٍ "عامٌّ" ذلك الأمرُ "أو خاصٌّ، أو" اقتَرَنَ بأحَدِ الدَّليلَينِ "قَرينةٌ عَقليَّةٌ أو" قَرينةٌ "لَفظيَّةٌ أو" قَرينةٌ "حاليَّةٌ، وأفادَ" ذلك الاقتِرانُ "زيادةَ ظَنٍّ: رَجَحَ به" لِما ذَكَرنا مِن أنَّ رُجحانَ الدَّليلِ هو بالزِّيادةِ في قوَّتِه أو ظَنِّ إفادَتِه المَدلولَ، وذلك أمرٌ حَقيقيٌّ لا يَختَلِفُ في نَفسِه. وإنِ اختَلَفت مَدارِكُهـ) [2640] ((شرح الكوكب المنير)) (4/751). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
مَسحُ الرَّأسِ، فمَن نَظَرَ إليه مِن حَيثُ كَونُه فِعلًا، وهو المَسحُ، رَأى أنَّه لا يُسَنُّ تَكرارُ مَسحِه؛ لأنَّه إذا تَكَرَّرَ المَسحُ صارَ غَسلًا، ولأنَّه تَخفيفٌ في نَفسِه، والتَّكرارُ تَثقيلٌ، وهذا مَذهَبُ مالِكٍ وغَيرِه، ولَكِنَّ الشَّافِعيَّ خالَف في ذلك؛ حَيثُ نَظَرَ إلى المَحَلِّ -وهو الرَّأسُ- فرَأى أنَّ الرَّأسَ أصلٌ في الوُضوءِ، فيَتَكَرَّرُ العَمَلُ فيه كالمَغسولِ، فاعتَبَرَه بأعضاءِ الوُضوءِ الأُخرى التي يُسَنُّ فيها التَّكرارُ، فاستحَبَّ تَكرارُ المَسحِ [2641] يُنظر: ((القواعد)) للمقري (1/309)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (1/ 1/ 238). .

انظر أيضا: