موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ السَّادِسُ: ما حَرُمَ فِعلُه حَرُمَ طَلَبُه


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "ما حَرُمَ فِعلُه حَرُمَ طَلَبُه" [2545] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص:151)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص:132). ، وصيغةِ: "يَحرُمُ طَلَبُ ما يَحرُمُ على المَطلوبِ مِنه فِعلُه" [2546] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/ 368). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الأشياءَ التي حَرَّمَ الشَّارِعُ على المُكَلَّفِ فِعلَها فإنَّه يَحرُمُ عليه أن يَطلُبَ مِن غَيرِه فِعلَها، فإذا حَرَّمَ اللهُ تعالى على المُكَلَّفِ فِعلًا مِنَ الأفعالِ فإنَّه يَحرُمُ عليه طَلَبُ فِعلِ هذا المُكَلَّفِ مِن غَيرِه، فإذا لم يَفعَلْه وطَلَبَ مَن غَيرِه فِعلَه كان شَريكًا في الإثمِ؛ لأنَّ ما حَرُمَ فِعلُه حَرُمَ طَلَبُ فِعلِه مِن غَيرِه، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ مُكملةً لقاعِدةِ (ما أدَّى إلى الحَرامِ فهو حَرامٌ) [2547] يُنظر: ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص:217)، ((القواعد الفقهية وتطبيقاتها)) لمحمد الزحيلي (1/401). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ القُرآنُ والمَعقولُ:
1- مِنَ القُرآنِ:
قال اللهُ تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [النساء: 36-37] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
البُخلُ المَذمومُ في الشَّرعِ هو الامتِناعُ عن أداءِ ما أوجَبَ اللَّهُ. واللهُ تعالى يُعاقِبُ على هذا البُخلِ وعلى طَلَبِ ذلك مِنَ النَّاسِ [2548] يُنظر: ((الهداية)) لمكي بن أبي طالب (11/7331)، ((التفسير البسيط)) للواحدي (6/510)، ((فتح البيان)) لصديق حسن خان (3/118). .
2- مِنَ المَعقولِ:
وهو أنَّ السُّكوتَ على الحَرامِ والتَّمكينَ مِنه حَرامٌ، ولا شَكَّ أنَّ طَلَبَه فوقَ السُّكوتِ عليه والتَّمكينِ مِنه؛ فيَكونُ مِثلَه في أصلِ الحُرمةِ بالأَولى، وإن تَفاوتَتِ الحُرمَتانِ بالقوَّةِ [2549] يُنظر: ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص:217)، ((القواعد الفقهية وتطبيقاتها)) لمحمد الزحيلي (1/401). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- السَّرِقةُ حَرامٌ، ولا يَجوزُ أن يَطلُبَ مِن أحَدٍ أن يَسرِقَ؛ لأنَّ كُلَّ شَيءٍ يَكونُ إجراؤُه حَرامًا فطَلَبُ إيقاعِه حَرامٌ [2550] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/44). .
2- أخذُ الرِّشوةِ حَرامٌ، وطَلَبُها مِنَ النَّاسِ -كَأن يَقولَ له: ادفَعْ رِشوةً- حَرامٌ؛ لأنَّ ما حَرُمَ فِعلُه حَرُمَ طَلَبُه [2551] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/44). .
3- شَهادةُ الزُّورِ حَرامٌ، فطَلَبُ إجراءِ ذلك مِن شَخصٍ آخَرَ -كَأن يُقالَ له: اشهَدْ بكَذا زورًا- حَرامٌ [2552] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/44). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءاتٌ:
1- إذا ادَّعى المُدَّعي دَعوةً صادِقةً، فأنكَرَ الغَريمُ، فلَه تَحليفُه، مَعَ أنَّه يَعلَمُ أنَّه قد يَحلِفُ كَذِبًا، لكِنَّه مَعَ ذلك له أن يُحَلِّفَه رَجاءَ النُّكولِ والعَودةِ إلى الحَقِّ؛ لأنَّه إذا لم يَجُزْ تَحليفُ اليَمينِ للشَّخصِ المُنكِرِ تَضيعُ الفائِدةُ المُتَرَتِّبةُ عليه، وهيَ رَجاءُ النُّكولِ الذي بسَبَبِه يَتَبَيَّنُ حَقُّ المُدَّعي [2553] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص:151)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص:132)، ((حاشية الجمل على منهج الطلاب)) (5/211)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/44). .
2- الجِزيةُ يَجوزُ طَلَبُها مِنَ الذِّمِّيِّ، مَعَ أنَّه يَحرُمُ عليه إعطاؤُها؛ لأنَّه مُتَمَكِّنٌ مِن إزالةِ الكُفرِ بالإسلامِ، فإعطاؤُه إيَّاها إنَّما هو على استِمرارِه على الكُفرِ، وهم مُخاطَبونَ بإزالَتِه بالإيمانِ، فحُرمةُ إعطاءِ الجِزيةِ لعَدَمِ الإيمانِ، وهم مُخاطَبونَ به [2554] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص:151)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص:132)، ((حاشية الجمل على منهج الطلاب)) (5/211). .

انظر أيضا: