الفَرعُ الأوَّلُ: وُجوبُ الوسائِلِ تَبَعٌ لوُجوبِ المَقاصِدِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ. استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "وُجوبُ الوسائِلِ تَبَعٌ لوُجوبِ المَقاصِدِ"
[2400] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (1/166). . وصيغةِ: "ما كان وسيلةً إلى الواجِبِ فهو واجِبٌ"
[2401] يُنظر: ((النافع الكبير)) للكنوي (ص:490). . وصيغةِ: "إذا كان المَقصَدُ واجِبًا فالوسيلةُ إليه تَجِبُ"
[2402] يُنظر: ((ترتيب الفروق واختصارها)) للبقوري (1/ 320). ، وصيغةِ: "ما لا يُتَوسَّلُ إلى الواجِبِ إلَّا به يَجِبُ لوُجوبِه"
[2403] يُنظر: ((التنبيه على مشكلات الهداية)) لابن أبي العز (3/ 1075). ، وصيغةِ: "وُجوبُ الوسيلةِ يَستَلزِمُ وُجوبَ المُتَوسَّلِ إليه بالطَّريقِ الأَولى"
[2404] يُنظر: ((المنهل العذب المورود)) لمحمود خطاب السبكي (6/ 313). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. لمَّا كانتِ المَقاصِدُ لا يُتَوصَّلُ إليها إلَّا بأسبابٍ وطُرُقٍ تُفضي إليها كانت طُرُقُها وأسبابُها تابِعةً لها مُعتَبَرةً بها، فإذا كان المَقصَدُ واجِبًا كانتِ الوسيلةُ التي تُؤَدِّي إليه واجِبةً أيضًا بوُجوبِه، فهيَ تابِعةٌ للمَقصَدِ وتَأخُذُ أحكامَ المَقصَدِ، فكَما تَسقُطُ بسُقوطِه تَجِبُ وتَلزَمُ بوُجوبِه، وإلَّا لو قُدِّرَ أنَّ المَقصَدَ واجِبٌ والوسيلةَ مَمنوعةٌ لَمَا تُوُصِّلَ إلى المَقصَدِ، وكَذا لو وجَبَ المَقصَدُ وكانتِ الوسيلةُ مُباحةً لجازَ للمُكَلَّفِ تَركُها، ولَو جازَ تَركُها لما استَطاعَ فِعلَ المَقصَدِ، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ تَطبيقًا لقاعِدةِ (للوسائِلِ أحكامُ المَقاصِدِ)
[2405] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (1/166)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (12/187). .
وهذه القاعِدةُ مِنَ القَواعِدِ المُشتَرَكةِ بَينَ القَواعِدِ الأُصوليَّةِ والفِقهيَّةِ، وقد عَبَّرَ عنها الأُصوليُّونَ بعِبارةِ: "ما لا يَتِمُّ الواجِبُ إلَّا به فهو واجِبٌ"
[2406] يُنظر: ((المستصفى)) للغزالي (ص: 57)، ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/ 118)، ((الفروق)) للقرافي (1/ 166) ((نفائس الأصول)) (4/ 1501)، ((شرح تنقيح الفصول)) (ص:160) كلها للقرافي، ((فتح ذي الجلال)) لابن عثيمين (2/ 483)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (1/ 220)، ((أصول الفقهـ)) لعياض السلمي (ص: 213)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (9/ 218)، ((الرسالة الندية)) لمصيلحي (ص: 53). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ. يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بما سَبَقَ مِن أدِلَّةٍ في قاعِدةِ (للوسائِلِ أحكامُ المَقاصِدِ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ. مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- صَلاةُ الجُمُعةِ واجِبةٌ، فالوسيلةُ لأدائِها واجِبةٌ، كالسَّعيِ إلى المَسجِدِ الذي تُقامُ فيه الجُمعةُ
[2407] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (2/965)، ((البيان والتحصيل)) لابن رشد الجد (2/147)، ((شرح منتهى الإرادات)) لابن النجار (2/494). .
2- السَّفَرُ لأداءِ فَرضِ الحَجِّ واجِبٌ؛ لأنَّ أداءَ الحَجِّ واجِبٌ، فكذلك الوسيلةُ لهذا المَقصودِ واجِبةٌ
[2408] يُنظر: ((تبصرة الحكام)) لابن فرحون (2/ 365)، ((رفع النقاب)) للشوشاوي (6/ 206). .
3- النَّظَرُ في أوصافِ المياه لمَعرِفةِ مَدى طُهوريَّةِ الماءِ وصَلاحيَّتِه للطُّهورِ واجِبٌ؛ لأنَّه يُتَوسَّلُ به إلى مَعرِفةِ إمكانيَّةِ استِعمالِه في الطَّهارةِ
[2409] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (2/ 153). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.فائِدةٌ:يَتَعَلَّقُ بهذه القاعِدةِ قاعِدةٌ أُخرى قَريبةٌ مِنها، وهيَ: "ما لا يُتَوصَّلُ إلى إقامةِ المُستَحَقِّ إلَّا به يَكونُ مُستَحَقًّا"
[2410] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (15/103) و (30/270). ، ويُعَبَّرُ عنها أيضًا بـ"ما لا يَتَأتَّى إقامةُ المُستَحَقِّ إلَّا به يَكونُ مُستَحَقًّا"
[2411] يُنظر: ((الكسب بشرح السرخسي)) (ص:77)، ((المبسوط)) للسرخسي (30/266). .
والمَعنى أنَّ ما كان حَقًّا للإنسانِ ولا سَبيلَ إلى الوُصولِ إليه إلَّا بطَريقةٍ مُعَيَّنةٍ كانت هذه الوسيلةُ مُستَحَقَّةً له باستِحقاقِ أصلِها؛ لأنَّ الوسيلةَ تابِعةٌ للمَقصَدِ، فإذا كان المَقصَدُ مَشروعًا وحَقًّا له كانتِ الوسيلةُ إليه كذلك مَشروعةً وحَقًّا له، وقدِ انفرَدَ بذِكرِ هذه القاعِدةِ السَّرَخسيُّ مِنَ الحَنَفيَّةِ
[2412] يُنظر: ((الكسب بشرح السرخسي)) (ص:77)، ((المبسوط)) للسرخسي (15/103) و (30/266،270). .
ومِنَ الأمثِلةِ عليها:
وُجوبُ الأكلِ عِندَ الحاجةِ، فلا تَجوزُ مُجاهَدةُ النَّفسِ في حَملِها على العِباداتِ بالتَّجويعِ إلى حَدِّ المَوتِ؛ لأنَّ عاقِبةَ ذلك تَفويتُ العِبادةِ لا أداؤُها، والنَّفسُ مُتَحَمِّلةٌ بأماناتِ اللَّهِ تعالى، فإنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ خَلَقَها مَعصومةً لتُؤَدِّيَ الأمانةَ التي تَحمِلُها، ولا يُتَوصَّلُ إلى ذلك إلَّا بالأكلِ عِندَ الحاجةِ، وما لا يُتَوصَّلُ إلى إقامةِ المُستَحَقِّ إلَّا به يَكونُ مُستَحَقًّا
[2413] يُنظر: ((الكسب بشرح السرخسي)) (ص:87)، ((المبسوط)) للسرخسي (30/270). .