الفَرعُ الثَّالِثُ: إذا تَبَيَّنَ عَدَمُ إفضاءِ الوسيلةِ إلى المَقصودِ بطَلَ اعتِبارُها
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ. استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "إذا تَبَيَّنَ عَدَمُ إفضاءِ الوسيلةِ إلى المَقصودِ بطَلَ اعتِبارُها"
[2427] يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/129)، ((القواعد)) للمقري (1/242). ، وصيغةِ: "كُلُّ سَبَبٍ لا يَحصُلُ مَقصودُه لا يُشرَعُ"
[2428] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (3/171). ، وصيغةِ: "كُلُّ تَصَرُّفٍ لا يَتَرَتَّبُ عليه مَقصودُه لا يُشرَعُ مِن أصلِه"
[2429] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/106). ونحوه: ((الذخيرة)) للقرافي (4/ 341). ، وصيغةِ: "ما لا يَتَرَتَّبُ عليه مَقصودُه لا يُشرَعُ"
[2430] يُنظر: ((شفاء الغليل في حل مقفل خليل)) لابن غازي المكناسي (1/503). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. الوسائِلُ ليسَت مَشروعةً لذاتِها، وإنَّما شُرِعَت لتَحقيقِ مَقاصِدَ وغاياتٍ مُعيَّنةٍ، فإذا طَرَأ على الوسيلةِ ما يَجعَلُها غَيرَ قادِرةٍ على تَحقيقِ الغايةِ مِنها لخَلَلٍ قدِ اعتَراها، أو لأنَّها قد أُسيءَ استِعمالُها مِن قِبَلِ المُكَلَّفِ حَيثُ استَعمَلَها في غَيرِ مَوضِعِها- بطَلَ اعتِبارُها حينَئِذٍ؛ لعَدَمِ تَحقيقِها الغَرَضَ الذي شُرِعَتِ الوسيلةُ مِن أجلِه. وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ مُكملةً لقاعِدةِ (للوسائِلِ أحكامُ المَقاصِدِ)
[2431] يُنظر: ((الذخيرة)) (2/129-130)، ((الفروق)) (2/ 154) كلاهما للقرافي، ((القواعد)) للمقري (1/242)، ((المنثور)) للزركشي (3/106)، ((الموافقات)) للشاطبي (3/ 120- 121). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ. دَلَّ على هذه القاعِدةِ المَعقولُ:
وهو أنَّ الوسائِلَ شُرِعَت لتَحقيقِ مَقاصِدِها، فما لم تُحَقِّقْ مَقاصِدَها فلا فائِدةَ مِن وُجودِها ولا اعتِبارِها؛ لأنَّ طَلَبَها مَعَ عَدَمِ إفضائِها إلى مَقصودِها يُعتَبَرُ عَبَثًا، والشَّريعةُ مُنَزَّهةٌ عنه
[2432] يُنظر: ((معلمة زايد)) (4/335). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ. يَتَخَرَّجُ على هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- المَدينُ إذا ثَبَتَ إعسارُه فإنَّه لا يُحبَسُ، ولَو كان مَحبوسًا يُخرَجُ مِنَ الحَبسِ بَعدَ ثُبوتِ إعسارِه عِندَ الحَنَفيَّةِ والشَّافِعيَّةِ؛ لقَولِ اللهِ تعالى:
وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة: 280] ، ولأنَّ الحَبسَ وسيلةٌ للسَّدادِ، وهيَ في المُعسِرِ لا تُفضي إلى السَّدادِ؛ فلا تُعتَبَرُ
[2433] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (6/2897)، ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (9/481). .
2- لا يُحَدُّ المَجنونُ ولا السَّكرانُ؛ لأنَّ مَقصودَ الحَدِّ الزَّجرُ، وذلك إنَّما يَحصُلُ بمرآةِ العَقلِ، وكُلُّ تَصَرُّفٍ لا يَتَرَتَّبُ عليه مَقصودُه فإنَّه لا يُشرَعُ
[2434] يُنظر: ((الذخيرة)) (4/ 341)، ((الفروق)) (3/ 135) كلاهما للقرافي، ((المنثور)) للزركشي (3/ 106). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استِثناءاتٌ:ذَكَرَ الزَّركَشيُّ أنَّه مِمَّا خَرَجَ عن هذه القاعِدةِ مَوضِعانِ:
(أحَدُهما: إذا استَأجَرَ الكافِرُ مُسلِمًا إجارةً عَينيَّةً فإنَّه يَصِحُّ في الأصَحِّ. وفي الأمرِ بإزالةِ مِلكِه عنِ المَنافِعِ وجهانِ، أصَحُّهما كَما قاله النَّوويُّ في شَرحِ المُهَذَّبِ: نَعَم، فهذا عَقدٌ صَحيحٌ ولَم يَتَرَتَّبْ عليه مَقصودُه، لكِنَّ الماوَرديَّ نَقَلَ عنِ الأصحابِ أنَّه على قَولَينِ كَبَيعِ المُسلِمِ مِنَ الكافِرِ، وقَضيَّتُه بُطلانُ العَقدِ مِن أصلِه، وهو القياسُ.
الثَّاني: إذا حَلَف على تَركِ واجِبٍ أو فِعلِ حَرامٍ عَصى باليَمينِ ولَزِمَه الحِنثُ والكَفَّارةُ، وكان القياسُ أن لا يَنعَقِدَ أصلًا، كَما لو نَذَرَ مَعصيةً يَبطُلُ ولا تَلزَمُه كَفَّارةٌ)
[2435] ((المنثور)) (3/ 107) و(2/ 409). .