موسوعة القواعد الفقهية

المَبحَثُ الخامِسُ: ما لا بَدَلَ مِنه مُقدَّمٌ على ما مِنه بَدَلٌ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "ما لا بَدَلَ مِنه مُقدَّمٌ على ما مِنه بَدَلٌ" [1840] يُنظر: ((القواعد)) للمقري (1/274). . وصيغةِ: "ما لا بَدَلَ له أَولى أن يُقدَّمَ" [1841] يُنظر: ((شرح التلقين)) للمازري (1/280). . وصيغةِ: "تَقدِمةُ الواجِبِ الذي لا بَدَلَ مِنه أَولى" [1842] يُنظر: ((شرح التلقين)) للمازري (1/279). . وصيغةِ: "إذا دارَ الأمرُ بَينَ تَفويتِ أحَدِ أمرَينِ على وَجهٍ يَتَضَمَّنُ تَحصيلَ أحَدِهما، كان تَحصيلُ ما يَفوتُ إلى غَيرِ بَدَلٍ أَولى مِن تَحصيلِ ما يَقومُ بَدَلُه مَقامَه" [1843] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (23/313). . وصيغةِ: "ما يَفوتُ إلى غَيرِ بَدَلٍ أَولى بالمُراعاةِ مِمَّا يَفوتُ إلى بَدَلٍ" [1844] يُنظر: ((المطلع)) لعبد الكريم اللاحم (1/359). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الواجِبَ الذي لا بَدَلَ له مُقدَّمٌ على الواجِبِ الذي له بَدَلٌ، فإذا دارَ الأمرُ بَينَ تَفويتِ أحَدِ أمرَينِ على وجهٍ يَتَضَمَّنُ تَحصيلَ أحَدِهما، كان تَحصيلُ ما يَفوتُ إلى غَيرِ بَدَلٍ أَولى مِن تَحصيلِ ما يَقومُ بَدَلُه مَقامَه؛ فإنَّ فواتَ ما ليسَ له بَدَلٌ يَكونُ أكثَرَ ضَرَرًا [1845] يُنظر: ((شرح التلقين)) للمازري (1/280)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (23/313)، ((موسوعة أحكام الطهارة)) للدبيان (5/123)، ((المطلع)) لعبد الكريم اللاحم (1/359). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ والقَواعِدِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:
عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تُسافِرِ المَرأةُ إلَّا مَعَ ذي مَحرَمٍ، ولا يَدخُلُ عليها رَجُلٌ إلَّا ومَعَها مَحرَمٌ. فقال رَجُلٌ: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي أُريدُ أن أخرُجَ في جَيشِ كَذا وكَذا، وامرَأتي تُريدُ الحَجَّ، فقال: اخرُجْ مَعَها )) [1846] أخرجه البخاري (1862) واللفظ له، ومسلم (1341). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ قَولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اخرُجْ مَعَها)) فيه تَقديمُ الأهَمِّ مِنَ الأُمورِ المُتَعارِضةِ؛ فإنَّ الرَّجُلَ لمَّا عَرَضَ له الغَزوُ والحَجُّ أمَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم باختيارِ الحَجِّ على الغَزوِ؛ لأنَّ امرَأتَه لا يَقومُ غَيرُه مَقامَه في السَّفرِ مَعَها، بخِلافِ الغَزوِ؛ فإنَّه يَقومُ غَيرُه فيه مَقامَه [1847] يُنظر: ((الكواكب الدراري)) للكرماني (9/57)، ((عمدة القاري)) للعيني (10/222). .
2- مِنَ القَواعِدِ:
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الكُبرى (الضَّرَرُ يُزالُ)، ووَجهُ ذلك أنَّ فواتَ ما لا بَدَلَ مِنه فيه ضَرَرٌ على الإنسانِ، أمَّا فواتُ ما مِنه بَدَلٌ فلَيسَ فيه ضَرَرٌ؛ إذِ البَدَلُ يَقومُ مَقامَه ويَأخُذُ حُكمَه.
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا خاف المُسلِمُ أنَّه مَتى استَعمَلَ الماءَ للطَّهارةِ أن يَعطَشَ عَطَشًا يُهلِكُه، فلا شَكَّ في إباحةِ التَّيَمُّمِ له؛ لقَولِه تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء: 29] ، وقَولِه تعالى: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة: 195] ، وكذلك خَوفُه مِن تَلَفِ إنسانٍ آخَرَ مِنَ العَطَشِ، فإنَّه يُبيحُ له التَّيَمُّمَ أيضًا؛ لأنَّ حُرمةَ نَفسِ غَيرِه كَحُرمةِ نَفسِه، ويَتَعَيَّنُ على الإنسانِ صيانةُ نَفسِ غَيرِه، ويَجِبُ ذلك عليه. والوُضوءُ له بَدَلٌ وهو التَّيَمُّمُ، وتَقدِمةُ الواجِبِ الذي لا بَدَلَ مِنه أَولى [1848] يُنظر: ((شرح التلقين)) للمازري (1/279). .
2- تُقدَّمُ طَهارةُ الخَبَثِ؛ لأنَّ الحَدَثَ له بَدَلٌ وهو التَّيَمُّمُ، والخَبَثُ لا بَدَلَ له، وما لا بَدَلَ له مُقدَّمٌ على ما له بَدَلٌ؛ ولِذلك يُقدَّمُ غَسلُ النَّجاسةِ على غَسلِ الحَيضِ والجَنابةِ؛ فغَسلُ النَّجاسةِ لا بَدَلَ له، وغَسلُ الحَيضِ والجَنابةِ له بَدَلٌ وهو التَّيَمُّمُ [1849] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (1/170)، ((القواعد)) للحصني (3/369)، ((موسوعة أحكام الطهارة)) للدبيان (5/104). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءاتٌ:
يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الصُّوَرِ، مِنها: إسقاطُ القِصاصِ إلى بَدَلٍ، وهو المالُ، فهنا صارَ ما كان إلى بَدَلٍ أَولى بالِاعتِبارِ مِمَّا ليسَ له بَدَلٌ [1850] يُنظر: ((المطلع)) لعبد الكريم اللاحم (1/202). .

انظر أيضا: