المَبحَثُ الرَّابِعُ: لا بَدَلَ للبَدَلِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "لا بَدَلَ للبَدَلِ"
[1829] يُنظر: ((الاختيار)) للموصلي (1/159)، ((خزانة المفتين)) للسمناقي (ص: 1153)، ((نواهد الأبكار)) للسيوطي (2/354)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/306)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/426)، ((منة الجليل)) لنجل ابن عابدين (ص: 216). . وصيغةِ: "البَدَلُ لا بَدَلَ له"
[1830] يُنظر: ((شرح الزيادات)) لقاضي خان (1/160)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/309)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 689). . وصيغةِ: "البَدَلُ لا يَكونُ له بَدَلٌ"
[1831] يُنظر: ((بحر المذهب)) للروياني (1/293)، ((بدائع الصناع)) للكاساني (5/97)، ((الهداية)) للمرغيناني (1/31)، ((المغني)) لابن قدامة (1/363)، ((شرح عمدة الفقهـ)) لابن تيمية (1/279). . وصيغةِ: "البَدَلُ لا يَكونُ له بَدَلٌ في الشَّرعِ"
[1832] يُنظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/49). . وصيغةِ: "البَدَلُ لا يَكونُ له بَدَلٌ بالرَّأيِ"
[1833] يُنظر: ((درر الحكام)) لملا خسرو (1/35)، ((موسوعة أحكام الطهارة)) للدبيان (5/450). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الأبدالَ لا يَدخُلُها القياسُ، ولا تَثبُتُ بمُجَرَّدِ الرَّأيِ؛ فالأبدالُ لا تُقَرَّرُ إلَّا مِن جِهةِ الشَّرعِ، ولا يُقاسُ بَدَلٌ على بَدَلٍ؛ لأنَّ الأبدالَ لا تُنصَبُ قياسًا، فالبَدَلُ إنَّما وجَبَ عِوضًا عنِ الأصلِ المُتَعَذِّرِ، ولَيسَ عن بَدَلٍ آخَرَ، ولَم يُعهَدْ في الشَّريعةِ أن يَكونَ للبَدَلِ بَدَلٌ، وما ليسَ له بَدَلٌ إذا عجزَ عنه سَقَطَ وبَرِئَت مِنه ذِمَّتُه
[1834] يُنظر: ((البيان والتحصيل)) لابن رشد (2/109)، ((الذخيرة)) للقرافي (1/330)، ((الاختيار)) للموصلي (1/159)، ((شرح عمدة الفقهـ)) لابن تيمية (5/88)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/426)، ((موسوعة أحكام الطهارة)) للدبيان (5/450). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بقاعِدةِ (إذا تَعَذَّرَ الأصلُ يُصارُ إلى البَدَلِ)، ووَجهُ ذلك أنَّ البَدَلَ إنَّما وجَبَ المَصيرُ إليه على خِلافِ الأصلِ؛ فالأصلُ هو المُبدَلُ مِنه، لكِنَّه لمَّا تَعَذَّرَ وجَبَ أن يُصارَ إلى بَدَلِه، وإنَّما وجَبَ المَصيرُ إلى بَدَلِ الأصلِ لا بَدَلِ البَدَلِ.
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ:تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- التَّيَمُّمُ جُعِلَ بَدَلًا عنِ الوُضوءِ بالماءِ، ولمَّا كان التَّيَمُّمُ بَدَلًا عنِ الماءِ لم يُجعَلْ للتَّيَمُّمِ بَدَلٌ؛ لأنَّه لا يَجوزُ أن يَكونَ للبَدَلِ بَدَلٌ، كَما أنَّ التَّيَمُّمَ لمَّا كان بَدَلًا عنِ الماءِ لم يَجُزْ لنا أن نُقيمَ غَيرَ التُّرابِ مَقامَ التُّرابِ عِندَ عَدَمِه، مِثلُ الدَّقيقِ ونَحوِه
[1835] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (1/359)، ((عيون الأدلة)) لابن القصار (3/450)، ((موسوعة أحكام الطهارة)) للدبيان (3/311). .
2- المُتَمَتِّعُ في الحَجِّ عليه دَمُ التَّمَتُّعِ، فإن لم يَجِدْ صامَ ثَلاثةَ أيَّامٍ في الحَجِّ، وسَبعةً إذا فرَغَ مِن أفعالِ الحَجِّ، فإن لم يَصُمِ الأيَّامَ الثَّلاثةَ لم يُجْزِه إلَّا الدَّمُ، ولا تُقضى؛ لأنَّ الصَّومَ هنا بَدَلٌ ولا بَدَلَ للبَدَلِ؛ لأنَّ القَضاءَ بَدَلٌ عنِ الأداءِ، فلَو شَرَعَ في الأبدالِ لكان للبَدَلِ بَدَلٌ، وهذا يَحتاجُ إلى دَليلٍ، فإنَّه لا يَثبُتُ بمُجَرَّدِ الرَّأيِ؛ لأنَّ الأبدالَ لا تُنصَبُ قياسًا. والأفضَلُ أن يَصومَ الثَّلاثةَ الأيَّامِ آخِرُها يَومُ عَرَفةَ، بأن يَصومَ قَبلَ التَّرويةِ بيَومٍ، ويَومَ التَّرويةِ، ويَومَ عَرَفةَ؛ لأنَّ اللَّهَ تعالى جَعَل صيامَ ثَلاثةِ أيَّامٍ بَدَلًا عنِ الهَديِ، وأفضَلُ أوقاتِ البَدَلِ وَقتُ اليَأسِ عنِ الأصلِ
[1836] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/173)، ((الاختيار)) للموصلي (1/159)، ((شرح عمدة الفقهـ)) لابن تيمية (5/88)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/306). .
3- مَن وجَبَت عليه كَفَّارةُ يَمينٍ فلم يَجِدْ ما يُعتِقُ، ولا ما يَكسو، ولا ما يُطعِمُ عَشَرةَ مَساكينَ، وهو شَيخٌ كَبيرٌ لا يَقدِرُ على الصَّومِ، فأرادَ أن يُطعِمَ سِتَّةَ مَساكينَ عن صيامِ ثَلاثةِ أيَّامٍ، لم يَجُزْ إلَّا أن يُطعِمَ عَشَرةَ مَساكينَ؛ لأنَّ الصَّومَ بَدَلٌ، والبَدَلُ لا يَكونُ له بَدَلٌ، فإذا عَجَزَ عنِ البَدَلِ تَأخَّرَ وُجوبُ الأصلِ -وهو أحَدُ الأشياءِ الثَّلاثةِ- إلى وقتِ القُدرةِ
[1837] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/112). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استِثناءاتٌ:قد يَكونُ للبَدَلِ بَدَلٌ يَقومُ مَقامَه عِندَ عَدَمِ القُدرةِ عليه في بَعضِ الحالاتِ، ومِن ذلك:
1- مَن لا يَقدِرُ أن يَمسَحَ لشَجَّةٍ فيه فإنَّه يَجوزُ له أن يَمسَحَ على العِمامةِ والعِصابةِ. وكذلك الوَجهُ في التَّيَمُّمِ، قد يمسَحُ على الحائِلِ إذا كان هناكَ مانِعٌ مِنَ المَسحِ عليه
[1838] يُنظر: ((عيون الأدلة)) لابن القصار (3/450). .
2- في جَوازِ المَسحِ على الجُرموقَينِ أوجُهٌ، مِنها أنَّه بَدَلٌ عنِ الخُفِّ، والخُفُّ بَدَلٌ عنِ القَدَمِ، فهو بَدَلُ البَدَلِ
[1839] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (1/298)، ((بحر المذهب)) للروياني (1/294). .