وَقَعتِ الفِتْنةُ الكُبرى بيْنَ المُسلِمينَ بعْدَ مَقتَلِ الخَليفةِ الرَّاشِدِ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ رضِيَ اللهُ عنه، واختَلَفَ المُسلِمون في طَلَبِ الحَقِّ، وفي طَلَبِ القَصاصِ مِن قَتَلةِ عُثمانَ، ودَخَلَ أهْلُ الفِتَنِ وأشْعَلوا الشَّرَرَ بيْنَ النَّاسِ، حتى خَرَجَ الخَوارِجُ مِن صُفوفِ المُسلِمينَ وقاتَلوهم، ولكنَّ الخَليفةَ علِيَّ بنَ أبي طالبٍ دَحَرَهم، ووَجَدَهم على الصِّفةِ التي وَصَفَها بهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فظَهَرَ الحَقُّ معه.
وفي هذا الحَديثِ بَيانٌ لبعضِ هذه المعاني، حيثُ يقولُ التَّابعيُّ عبدُ اللهِ بنُ شَدَّادٍ: "قَدِمتُ على عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها"، أي: جِئتُ إليها، "فبَيْنا نحنُ جُلوسٌ عندَها مَرجِعَها مِن العِراقِ لَياليَ قُوتِلَ علِيٌّ رضِيَ اللهُ عنه"، وكان ذلك في مَوقِعةِ الجَمَلِ، والتي كانت بيْنَ طَلحةَ والزُّبيرِ ومَن معهما، وبيْنَ علِيٍّ ومَن معه رضِيَ اللهُ عنهم على بابِ البَصْرةِ سَنةَ سِتِّ وثلاثينَ بعْدَ مَقتَلِ عُثمانَ رضِيَ اللهُ عنه، "إذ قالت لي: يا عبدَ اللهِ بنَ شَدَّادٍ، هل أنتَ صادِقي عمَّا أسأَلُك عنه؟ حدِّثْني عن هؤلاءِ القَومِ الذين قَتَلَهم علِيٌّ"، تَقصِدُ الخَوارجَ الذين خَرَجوا عليه بعدَ التَّحكيمِ، "قُلتُ: وما لي لا أصْدُقُكِ! قالت: فحَدِّثْني عن قِصَّتِهم، قُلتُ: إنَّ عَليًّا لمَّا أنْ كاتَبَ مُعاويةَ" في شَأنِ الصُّلحِ بيْنَهما، "وحَكَّمَ الحَكَمينِ"، وكانا عمرَو بنَ العاصِ مِن جِهَةِ مُعاويةَ، وأبا موسى الأشْعريَّ مِن جِهَةِ علِيٍّ، "خَرَجَ عليه ثَمانيةُ آلافٍ مِن قُرَّاءِ النَّاسِ"، وهُمُ الذين يَحفَظون القُرآنَ، "فنَزَلوا أرْضًا من جانبِ الكُوفةِ يُقالُ لها: حَروراءَ"، وهي مَوضِعٌ قريبٌ مِن الكوفةِ، وهي البَلَدُ التي اجتَمَعَ الخَوارجُ فيها أوَّلَ أمْرِهم، "وإنَّهم أنْكَروا عليه، فقالوا: انسَلَختَ مِن قَميصٍ ألْبَسَكَه اللهُ وأسْماكَ به"، أي: خَرَجتَ مِن صِفةِ الخِلافةِ واسْمِ الخَليفةِ، وهما وَصْفانِ أكْرَمَكَ اللهُ بهما ووَفَّقَك إليهما، "ثُمَّ انطَلَقتَ فحَكَّمتَ في دِينِ اللهِ"، أي: حَكَّمتَ الرِّجالَ في الأمْرِ مع أنَّ الأمْرَ ظاهِرٌ وواضِحٌ، ولا يَحتاجُ تَحكيمًا مِن وُجْهةِ نَظَرهِم، "ولا حُكْمَ إلَّا للهِ"، أي: لا حُكْمَ في أمْرِ الخِلافةِ إلَّا للهِ ورسولِه، "فلمَّا أنْ بَلَغَ عَليًّا ما عَتَبوا عليه"، أي: عابُوه عليه، "وفارَقوه"، بمعنى ابتَعَدوا عنه، "أمَرَ فأذَّنَ مُؤذِّنٌ" يُنادي في النَّاسِ، "لا يدَخُلَنَّ على أميرِ المُؤمِنينَ إلَّا رَجُلٌ قد حَمَلَ القُرآنَ"، أي: حَفِظَه وخَتَمَه، "فلمَّا أنِ امتَلَأَ مِن قُرَّاءِ النَّاسِ الدَّارُ دَعا بُمصحَفٍ عَظيمٍ، فوَضَعَه علِيٌّ رضِيَ اللهُ عنه بيْنَ يَدَيهِ، فطَفِقَ يَصُكُّه بيَدِه"، أي: يُحرِّكُه بيَدِه ويَضرِبُ عليه، "ويقولُ: أيُّها المُصحَفُ، حَدِّثِ النَّاسَ"، أي: انْطِقْ وتَكَلَّمْ إلى النَّاسِ، "فناداه النَّاسُ فقالوا: يا أميرَ المُؤمِنينَ، ما تَسأَلُه عنه؟ إنَّما هو وَرَقٌ ومِدادٌ"، أي: المُصحَفُ هو عِبارةٌ عن وَرَقٍ مَكتوبٍ بحِبرٍ، "ونحن نَتَكلَّمُ بما رُوِّينا منه"، أي: نَتكلَّمُ بما نَحفَظُه مِن القُرآنِ، ومن تَفْسيرِه وفَهْمِه، كما رُوِّيناه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصحابِه؛ فالعَهدُ بهم قَريبٌ، "فماذا تُريدُ؟" بمَعْنى ماذا تُريدُ مِنَّا بقَولِك وفِعْلِك هذا؟ "قال: أصْحابُكم الذين خَرَجوا بيْني وبيْنَهم كِتابُ اللهِ تَعالى"، والمَعْنى: أنَّ القُرآنَ هو الذي يَحكُمُ ويَفصِلُ بيْنَنا، "يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ في امرَأةٍ ورَجُلٍ: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}
[النساء: 35] ، فأُمَّةُ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أعظَمُ حُرمةً مِن امرَأةٍ ورَجُلٍ"، أي: فوُقوعُ الاختلافِ بيْنَ الأُمَّةِ كُلِّها أوْلى بالتَّحكيمِ؛ لفَضِّ النِّزاعِ بيْنَهم وعَدَمِ وُقوعِ القِتالِ، "ونَقَموا علَيَّ أنِّي كاَتبتُ مُعاويةَ وكَتَبتُ علِيَّ بنَ أبي طالبٍ"، أي: وكُتِبَ اسْمي مُجرَّدًا من لَقَبِ الخِلافةِ، "وقد جاء سُهَيلُ بنُ عَمرٍو ونحن مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالحُدَيبيةِ حين صالَحَ قَومَه قُرَيشًا"، وكان ذلك في السَّنةِ السَّادسةِ من الهِجْرةِ، والحُدَيبيةُ قَرْيةٌ وماءٌ بالقُربِ مِن مكَّةَ على بُعدِ حوالي 40 كم منها، وكان سُهَيلٌ نائِبًا لقُرَيشٍ في صُلْحِها مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "فكَتَبَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، فقال سُهَيلٌ: لا تَكتُبْ بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، قُلتُ: فكيف أكتُبُ؟ قال: اكتُبْ باسْمِكَ اللَّهُمَّ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اكْتُبْه"، أي: أنَّ سُهَيلَ بنَ عَمرٍو طَلَبَ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَمْحُوَ صِفتَيِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ؛ لأنَّهما غَيرُ مَعروفَتَينِ عندَهم، فوافَقَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وكَتَبَ ما يَعرِفونه، ولم يُعَدُّ ذلك انتِقاصًا مِن صِفاتِ اللهِ، "ثُمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لعلِيِّ بنِ أبي طالبٍ: اكتُبْ: مِن مُحمَّدٍ رسولِ اللهِ، فقال: لو نَعلَمُ أنَّكَ رسولُ اللهِ لم نُخالِفْكَ" يُنكِرُ سُهَيلٌ قَولَه: (رسولُ اللهِ) أنْ يُذكَرَ في كتابِ الصُّلحِ، ومَعْناه: لو كُنَّا نَشهَدُ لكَ أنَّك رسولُ اللهِ حَقًّا لم نُقاتِلْك، فوافَقَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على طَلَبِه، "فكَتَبَ: هذا ما صالَحَ عليه مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ قُرَيشًا"، أي: ما في هذه الصَّحيفةِ هو ما اتَّفَقَ عليه مُحمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مع قُرَيشٍ، ثُمَّ قال علِيُّ بنُ أبي طالبٍ: "يقولُ اللهُ في كتابِه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}
[الأحزاب: 21] "، ومَعنى استِشهادِه بهذه الآيةِ أنَّه تأسَّى بأفْعالِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وفَعَلَ كما فَعَلَ، "فبَعَثَ إليهم علِيُّ بنُ أبي طالبٍ رضِيَ اللهُ عنه عبدَ اللهِ بنَ عبَّاسٍ"؛ لِيُناظِرَهم ويُفنِّدَ لهم الحُجَجَ؛ لِيَرجِعوا إلى الحَقِّ، قال ابنُ شدَّادٍ: "فخَرَجتُ معه حتى إذا تَوسَّطْنا عَسْكَرَهم"، أي: دَخَلوا وَسَطَ مُعَسكَرِ الخَوارجِ والمُنكِرين على علِيٍّ رضِيَ اللهُ عنه، "قام ابنُ الكَوَّاءِ"، وهو عبدُ اللهِ بنُ الكوَّاءِ اليَشكُريُّ، وكان أميرَ الخَوارجِ، "فخَطَبَ النَّاسَ، فقال: يا حَمَلةَ القُرآنِ"، وهذا نِداءٌ منه لحَفَظةِ القُرآنِ، "إنَّ هذا عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ؛ فمَن لم يكُنْ يَعرِفُه فأنا أعرِفُه مِن كِتابِ اللهِ! هذا مَن نَزَلَ فيه وفي قَومِه {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}
[الزخرف: 58] ، والمَعْنى أنَّهم قَومٌ مُجادِلون، ويُحِبُّون الخُصومةَ، وكَثيرو الخُصومةِ، وقد نَزَلَتْ في قُرَيشٍ كما قال تَعالى لنَبيِّه: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ}
[الزخرف: 57، 58] ، أي: الأوثانُ التي يَعبُدونَها خَيرٌ أم عِبادةُ عيسى عليه السَّلامُ؟ فبيَّنَ اللهُ عزَّ وجلَّ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه ما كان هذا المثَلُ الذي ضرَبوه {إِلَّا جَدَلًا}، أي: للجِدالِ والخُصومَةِ بالباطلِ.
"فرُدُّوه إلى صاحِبِه"، أي: ارْجِعوه إلى علِيٍّ، "ولا تُواضِعوه كِتابَ اللهِ عزَّ وجلَّ"، أي: ولا تُناقِشوه في أحْكامِ القُرآنِ ومَعانيهِ، وكان مُرادُ ابنِ الكوَّاءِ صَدَّ مَن معه عن السَّماعِ لابنِ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما حتى لا يَستَجيبَ له أحَدٌ، "فقامَ خُطباؤُهم، فقالوا: واللهِ لنُواضِعَنَّه كِتابَ اللهِ، فإذا جاءَنا بحَقٍّ نَعرِفُه اتَّبَعْناه، ولَئِنْ جاءَنا بالباطِلِ لَنُبكِّتَنَّه بباطِلِه"، أي: لَنُجادِلَنَّه ونَلومُه على ما جاءَ به مِن الباطِلِ، "ولَنَرُدَّنَّه إلى صاحِبِه"، أي: يَرْجِعوه إلى علِيٍّ رضِيَ اللهُ عنه، "فوَاضَعوه على كِتابِ اللهِ ثلاثةَ أيَّامٍ"، أي: ناقَشوه في مَعاني وأحْكامِ القُرآنِ لمُدَّةِ ثلاثةِ أيَّامٍ، فاقتَنَعَ بعضُهم، "فرَجَعَ منهم أربَعةُ آلافٍ كُلُّهم تائِبٌ، فأقبَلَ بهم ابنُ الكوَّاءِ حتى أدْخَلَهم على علِيٍّ رضِيَ اللهُ عنه، فبَعَثَ علِيٌّ إلى بَقيَّتِهم فقال: قد كان مِن أمْرِنا وأمْرِ النَّاسِ ما قد رأيُتم"، يعني مِنَ الأُمورِ والأحْداثِ السَّابقةِ من التَّحكيمِ، ثُمَّ مُناقَشةِ ابنِ عبَّاسٍ في القُرآنِ ورُجوعِ بعضِكم، "قِفوا حيثُ شئتُم"، بمَعْنى اتَّخِذوا لكم مَكانًا مُحدَّدًا تَخْتارونَه لِتَعيشوا فيه؛ "حتى تَجتَمِعَ أُمَّةُ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: حتى تَجتَمِعَ كَلِمَةُ الأُمَّةِ على الحَقِّ بعدَ انْحِسارِ هذه الفِتْنةِ، "وتَنزِلوا فيها حيثُ شئتُم"، أي: لكم الأمنُ والأمانُ، وتَتَحرَّكون بحُرِّيَّةٍ كاملةٍ في بلاد المُسلِمينَ، ولكنْ بشَرْطٍ "بيْنَنا وبيْنَكم أنْ نَقِيَكم رِماحَنا"، فلا نُحارِبُكم ولا نُهاجِمُكم، "ما لم تَقطَعوا سَبيلًا"؛ باعِتراضِ الطُّرُقاتِ، وأخْذِ أمْوالِ النَّاسِ بالباطِلِ، "وتَطلُبوا دَمًا"، بمَعْنى لا تَطْلُبوا دَمًا مُحرَّمًا فتَقتُلُوه وتَسفِكوه، "فإنَّكم إنْ فَعَلتُم ذلك فقد نَبَذْنا إليكمُ الحَرْبَ على سَواءٍ، إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الخائِنينَ.
فقالت عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها: "يا ابنَ شدَّادٍ، فقد قَتَلَهم؟" أي: حارَبَهم، "فقال: واللهِ ما بَعَثَ إليهم حتى قَطَعوا السَّبيلَ، وسَفَكوا الدِّماءَ، وقَتَلوا ابنَ خبَّابٍ"، وهو عبدُ اللهِ بنُ خبَّابٍ أميرُ الكُوفةِ مِن قِبَلِ عليٍّ، قَتَلوه هو وامرَأتَه وشَقُّوا بَطنَها واستَخْرَجوا حَمْلَها، "واستَحَلُّوا أهْلَ الذِّمَّةِ"، أي: استَحَلُّوا قَتْلَ أهْلِ الكِتابِ من اليَهودِ والنَّصارى الذين يَدفَعون الجِزيةَ، وأخَذوا أمْوالَهم، "فقالت: آللهِ؟" أي: تَستَحلِفُه عائشةُ باللهِ هل حَدَثَ منهم ذلك؟ "قُلتُ: آللهِ الذي لا إلهَ إلَّا هو"، فأكَّدَ لها يَمينَه باللهِ الواحِدِ المعبودِ، "لقد كان، قالت: فما شَيءٌ بَلَغَني عن أهْلِ العِراقِ يَتَحدَّثون به؛ يقولون: ذو الثُّدَيِّ ذو الثُّدَيِّ؟" أي: صاحِبُ اللَّحمةِ والغُدَّةِ الكَبيرةِ التي تُشبِهُ الثَّدْيَ في يَدِه، "قُلتُ: قد رَأيتُه ووَقَفتُ عليه مع علِيٍّ رضِيَ اللهُ عنه في القَتْلى، فدَعا النَّاسَ، فقال: هل تَعرِفون هذا؟ فما أكثَرَ مَن جاءَ يقولُ: قد رَأيتُه في مَسجِدِ بَني فُلانٍ يُصلِّي، ورَأيتُه في مَسجِدِ بَني فُلانٍ يُصلِّي! فلم يَأتوا بثَبَتٍ يُعرَفُ إلَّا ذلك"، أي: لم يَعرِفوه على الحَقيقةِ، مَن هو، "قالت: فما قَولُ علِيٍّ حين قامَ عليه كما يَزعُمُ أهْلُ العِراقِ؟ قُلتُ: سَمِعتُه يقولُ: صَدَقَ اللهُ ورسولُه"، أي: صَدَقَا فيما أخْبَرَا به كُلِّه، ومِن الغَيبيَّاتِ والصِّفاتِ التي حَدَثَتْ كما أخْبَرَا به في الكِتابِ والسُّنَّةِ، "قالت: فهل سَمِعتَ أنتَ منه قال غيرَ ذلك؟ قُلتُ: اللَّهُمَّ لا، قالت: أَجَلْ، صَدَقَ اللهُ ورسولُه، يَرحَمُ اللهُ عَليًّا إنَّه مِن كَلامِه؛ كان لا يَرى شَيئًا يُعجِبُه إلَّا قال: صَدَقَ اللهُ ورسولُه"، وكان قَولُه هذا؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخبَرَ عن بعضِ علاماتِ الخَوارجِ الذين سيَخرُجون في الفِتْنةِ، وأنَّه يُوجَدُ بيْنَ قَتْلاهم رَجُلٌ بهذه الصِّفَةِ، يَدُه قَصيرةٌ وفيها حَلَمةٌ أو لَحمةٌ كَبيرةٌ مِثلُ ثَدْيِ المرْأةِ عليها شَعَراتٌ، وقد وَجَدَه علِيٌّ رضِيَ اللهُ عنه بهذه الصِّفةِ بيْنَ قَتْلى الخَوارجِ.
وفي الحَديثِ: بيانُ أنَّ التَّفْسيرَ الخَطَأَ للقُرآنِ يُؤدِّي إلى وُقوعِ الفِتَنِ.
وفيه: بيانُ عَلَمٍ مِن أعْلامِ النُّبوَّةِ؛ حيثُ وَقَعَ ما أخبَرَ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الصِّفةِ التي وَصَفَها.
وفيه: بيانُ أنَّ الحَقَّ كان مع علِيٍّ في أمْرِ الفِتْنةِ، ومُحارَبةِ الخَوارِجِ .