الموسوعة الحديثية


- صلَّى بنا عمرُ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنه بمكةَ صلاةَ الفجرِ فقرأ في الركعةِ الأولى بيوسفَ حتى بلغ { وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ } ثم ركع ثم قام فقرأ في الركعةِ الثانيةِ بالنجمِ فسجد ثم قام فقرأ { إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا } ورفع صوتَه بالقراءةِ حتى لو كان في الوادي أحدٌ لأسمعَه
الراوي : عبدالرحمن بن أبي ليلى | المحدث : الطحاوي | المصدر : شرح معاني الآثار | الصفحة أو الرقم : 1/181 | خلاصة حكم المحدث : متواتر
في هذا الحَديثِ يُخبِرُ التابِعيُّ عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ أبي لَيلى أنَّه صَلَّى خَلفَ أميرِ المُؤمِنينَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه الفَجرَ وهو بمَكَّةَ، فقَرَأ عُمَرُ في الرَّكعةِ الأُولى بسُورةِ يُوسُفَ، حتى انتَهى إلى قَولِ اللهِ تَعالى -في سُورةِ يُوسُفَ عن نَبيِّه يَعقوبَ عليه السَّلامُ حين مَرِضتْ عَيناهُ مِن كَثرةِ البُكاءِ حُزنًا على فِقدانِ ابنِه يُوسُفَ عليه السَّلامُ، ومع ذلك ظَلَّ يَكتُمُ حُزنَه وهو مَملوءٌ به، مُمسِكٌ عليه لا يُبِينُه-: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: 84]، فتَوَقَّفَ عِندَها ثم رَكَعَ.وبَعدَ قِراءةِ هذه الآيةِ قامَ عُمَرُ لِلرَّكعةِ الثانيةِ، فقَرَأ سُورةَ النَّجمِ، فلَمَّا أنِ انتَهى منها وأتَمَّها نَزَلَ لِسُجودِ التِّلاوةِ الذي في قَولِ اللهِ تَعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: 62]، ثم قامَ فأتَمَّ قِراءَتَه بسُورةِ الزَّلزَلةِ، التي مَطلَعُها قَولُ اللهِ تَعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1].وكان رَضِيَ اللهُ عنه يَرفَعُ صَوتَه في كُلِّ قِراءَتِه، يَقولُ عَبدُ الرَّحمنِ: "حتى لو كان في الوادي أحَدٌ لَأسْمَعَه"، وهذا كِنايةٌ عن شِدَّةِ ارتِفاعِ الصَّوتِ والجَهرِ به فَوقَ عَدَدِ المُصَلِّينَ، حتى إنَّه يُمكِنُ أنْ يَسمَعَه مَن هو بَعيدٌ.وفي الحَديثِ إشارةٌ إلى أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه كان يُصَلِّي الفَجرَ في أوَّلِ مَطلَعِه، حتى يُسفِرَ به إلى آخِرِ وَقتِه، وقيلَ في ذلك: إنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه كان يَرى أنَّ الإسفارَ مَطلوبٌ ومُستَحَبٌّ، فكان يُطَوِّلُ في القِراءةِ؛ لِيَنالَ هذه الفَضيلةَ؛ لِأنَّ فيها شَغْلَ كُلِّ الوَقتِ بالعِبادةِ، على أنَّ الأصلَ أنْ يَكونَ وَقتُ كُلِّ صَلاةٍ مَشغولًا بصَلاتِه، وأنْ يَشرَعَ المُصَلِّي فيها مِن أوَّلِه، ويَمُدَّها إلى آخِرِه، ولكِنَّ اللهَ تَعالى رَخَّصَ لِعِبادِه -رَحمةً بهم- أنْ يُصَلُّوا كُلَّ صَلاةٍ في وَقتِها في أيِّ جُزءٍ كان مِن ساعاتِها، بَعدَ أنْ يُجانِبوا التَّفويتَ والتَّفريطَ.وقيلَ: إنَّ تَطويلَ الخُلَفاءِ الرَّاشِدينَ -كما تَدُلُّ عليه الآثارُ- كان لِعِلمِهم برِضا مَن خَلفَهم، وبحِرصِهم على التَّطويلِ، وأمَّا اليَومَ فالتَّخفيفُ أوْلى؛ لِقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الصَّحيحَيْنِ: "إذا أمَّ أحَدُكمُ الناسَ، فليُخَفِّفْ".