المَطلَبُ الثَّاني: معنى السُّنَّةِ اصطلاحًا
تُطلَقُ السُّنَّةُ على كُلِّ ما جاء عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أقوالِه وأفعالِه وتقريراتِه، ويُطلَقُ على المتمَسِّكين بها أهلُ السُّنَّةِ.
والمرادُ بالسُّنَّةِ عِندَ الإطلاقِ ما يلي:1- كُلُّ ما أُثِرَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
2- الحديثُ النَّبَويُّ.
3- العقيدةُ.
4- التَّمَسُّكُ بالكتابِ والسُّنَّةِ وهَدْيِ الصَّحابةِ في كُلِّ الأمورِ سواءٌ الاعتقاديَّةُ أو العباداتُ.
5- ما يقابِلُ البِدَعَ.
ويُفهَمُ من هذه الإطلاقاتِ عُمومًا أنَّ السُّنَّةَ يرادُ بها ما كان في أمرِ الدِّينِ، بدليلِ قَولِ اللهِ تعالى في الحَثِّ على التَّمسُّكِ بكُلِّ ما جاء عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7] ، وقولِ اللهِ سُبحانَه:
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80] وغيرِ ذلك من الآياتِ.
وبدليلِ قولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((فعليكم بسُنَّتي ))
، وقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((مَن عَمِل عَمَلًا ليس عليه أمْرُنا فهو رَدٌّ))
.
وقد أُطلِقَ على المتَّبِعين للسَّلَفِ الصَّالحِ أهلُ السُّنَّةِ؛ لتمَسُّكِهم بها مُنذُ عَصرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والصَّحابةِ ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ.
والقرآنُ الكريمُ والسُّنَّةُ النَّبَويَّةُ لا فَرْقَ بَينَهما في وجوبِ العَمَلِ والتَّمسُّكِ بهما، فكِلاهما وَحيٌ، إلَّا أنَّ القرآنَ الكريمَ كلامُ اللهِ عزَّ وجلَّ، والسُّنَّةَ النَّبَويَّةَ صدرت على لِسانِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
قال اللَّهُ تعالى:
وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 3-4] .
قال
ابنُ حَزْمٍ: (لَمَّا بَيَّنَّا أنَّ القُرآنَ هو الأصلُ المَرجوعُ إليه في الشَّرائِعِ، نَظَرنا فيه فوَجَدنا فيه إيجابَ طاعةِ ما أمَرَنا به رَسولُ اللّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ووَجَدناهُ عَزَّ وجَلَّ يَقولُ واصِفًا لرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النَّجم: 3-4] ؛ فصَحَّ لَنا بذلك أنَّ الوَحيَ يَنقَسِمُ مِنَ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ إلى رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على قِسمين:
أحَدُهما: وحيٌ مُتلوٌّ مُؤَلَّفٌ تَأليفًا مُعجِزَ النِّظامِ، وهو القُرآنُ.
الثَّاني: وحيٌ مَرْويٌّ مَنقولٌ غيرُ مُؤَلَّفٍ ولا مُعجِزِ النِّظامِ ولا مَتْلوٍّ، لَكِنَّهُ مَقروءٌ، وهو الخَبَرُ الوارِدُ عن رَسولِ اللّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو المُبيِّنُ عَنِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ مُرادَه مِنَّا)
.
وقال
ابنُ كَثيرٍ عنِ السُّنَّةِ: (إنَّها شارِحةٌ للقُرآنِ وموَضِّحةٌ لَهُ، بَل قد قال الإمامُ
أبو عَبدِ الله مُحَمَّدُ بنُ إدريسَ الشَّافِعيُّ رَحِمَه اللَّهُ: كُلُّ ما حَكَمَ به رَسولُ اللّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فهو مِمَّا فَهِمَه من القُرآنِ؛ قال اللَّهُ تعالى:
إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا [النساء: 105] ، وقال تعالى:
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: 44] ، وقال تعالى:
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل: 64] . ولِهذا قال رَسولُ اللّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((ألا إنِّي أوتيتُ القُرآنَ ومِثلَه مَعَهُ))
يَعني: السُّنَّةَ. والسُّنَّةُ أيضًا تَنزِلُ عليه بالوَحيِ، كما يَنزِلُ القُرآنُ، إلَّا أنَّها لا تُتْلَى كما يُتْلَى القُرآنُ، وقدِ استَدَلَّ
الإمامُ الشَّافِعيُّ رَحِمَه اللَّهُ وغيرُه من الأئِمةِ على ذلك بأدِلَّةٍ كَثيرةٍ)
.