الشَّريعةُ الإسلاميَّةُ وحيٌ مِنَ اللهِ تعالى أوحاه إلى نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهذا الوَحيُ على نَوعَينِ: وَحيُ الكِتابِ، وهو القُرآنُ الكَريمُ، ووَحيُ السُّنَّةِ؛ فالسُّنَّةُ النَّبَويَّةُ تُعتَبَرُ مِنَ الوحيِ، كما قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}
[النجم: 3، 4] ؛ ولهذا كان مَرجِعُ جَميعِ العِباداتِ للكِتابِ والسُّنَّةِ، وقد أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن قَومٍ يَأتونَ مِن بَعدِه يَرفُضونَ العَمَلَ بالسُّنَّةِ ويَقتَصِرونَ على القُرآنِ فقَط، وهذا الأمرُ ضَلالٌ مُبينٌ وانحِرافٌ في الفهمِ والدِّينِ؛ إذ كَيف يُفهَمُ الكِتابُ إلَّا بالسُّنَّةِ، فكَثيرًا مِنَ الآياتِ جاءَتِ السُّنَّةُ ببَيانِها وتَوضيحِها كَمَعرِفةِ كَيفيَّةِ الصَّلاةِ والصَّومِ والزَّكاةِ والحَجِّ وغَيرِها مِنَ الأحكامِ، بَل إنَّ السُّنَّةَ وَحيٌ مُستَقِلٌّ؛ فقد ورَدَت أحكامٌ لَم تَرِدْ في القُرآنِ فالواجِبُ قَبولُها والعَمَلُ بها، يَقولُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: إنِّي قد أوتيتُ الكِتابَ وما يَعدِلُه، أي: السُّنَّةُ تَعدِلُه في الحُجَّةِ والتَّشريعِ، وليس في الفَضلِ والمَكانةِ، يوشِكُ شَبعانُ على أريكَتِه، أي: يَقرُبُ زَمانٌ يَكونُ الرَّجُلُ شَبعانَ مُتَّكِئًا على سَريرِه، وإنَّما أرادَ بهذه الصِّفةِ أصحابَ التَّرَفُّهِ والدَّعةِ الذينَ لَزِموا البُيوتَ ولَم يَطلُبوا العِلمَ ولَم يَغدوا ولَم يَروحوا في طَلَبِه في مَظانِّه واقتِباسِه مِن أهلِه، فيَقولُ: بَينَنا وبَينَكُمُ الكِتابُ، أي: لا نَعتَمِدُ إلَّا على القُرآنِ ولا نَرجِعُ إلى غَيرِه، فما كان فيه، أي: القُرآنِ، مِن حَلالٍ أحلَلْناه، أي: عَمِلنا بحَلالِه، وما كان فيه، أي: القُرآنِ، مِن حَرامٍ حَرَّمناه، أي: اجتَنَبناه، وإنَّه ليس كذلك، أي: ليس الأمرُ على ما زَعَموا وقالوا؛ فالتَّحليلُ والتَّحريمُ كما يَكونُ بالقُرآنِ يَكونُ أيضًا بالسُّنَّةِ، ومِن ذلك أنَّه لا يَحِلُّ أكلُ كُلِّ ذي نابٍ مِنَ السِّباعِ، أي: يَحرُمُ أكلُ كُلِّ حَيَوانٍ مِن ذَواتِ السِّباعِ، وهو ما يَعدو بنابِه على النَّاسِ وأموالِهم كالذِّئبِ والأسَدِ والكَلبِ ونَحوِها، ولا الحِمارِ الأهليِّ. نِسبةً للأهلِ؛ لكَونِها مُستَأنَسةً تَكونُ مَعَهم، بخِلافِ الحِمارِ الوَحشيِّ الذي يَنفِرُ مِنَ النَّاسِ، ولا اللُّقَطةِ، وهيَ اسمُ المالِ المَلقوطِ: أي: المَوجودِ. والالتِقاطُ: أن يَعثُرَ الشَّخصُ على الشَّيءِ مِن غَيرِ قَصدٍ وطَلَبٍ، مِن مالِ مَعاهَدٍ، أي: كافِرٍ بَينَه وبَينَ المُسلمينَ عَهدٌ بأمانٍ، وتَخصيصُه لزيادةِ الاهتِمامِ، إلَّا أن يَستَغنيَ عنها، أي: يَترُكَها صاحِبُها لمَن أخَذَها استِغناءً عنها، والمُرادُ أنَّ المُعاهَدَ لا يَحِلُّ ما ضاعَ مِنه لمُلتَقِطِه إلَّا بَعدَ تَعريفِه سَنةً، وذَكَر المُعاهَدَ لئَلَّا يُتَهاونَ في لُقَطَتِه؛ لأنَّه لكُفرِه يُتَوهَّمُ حِلُّ لُقَطتِه، وأيّمُا رَجُلٍ أضاف قَومًا، أي: نَزَلَ عِندَهم ضَيفًا، فلَم يُقرُوه، أي: لَم يُضَيِّفوه ويُطعِموه، والقِرى هو طَعامُ الضَّيفِ، فإنَّ له، أي: الضَّيفِ أن يَغصِبَهم بمِثلِ قِراه، أي: فللضَّيفِ أن يَأخُذَ مِن أموالِهم بقدرِ الذي كان سيَأخُذُه في ضيافتِهم له عِوَضًا عَمَّا حَرَموه مِن قِراهم.
وفي الحَديثِ بَيانُ أنَّ السُّنَّةَ وَحيٌ كالقُرآنِ.
وفيه أنَّ ما ثَبَتَ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فهو حُجَّةٌ بنَفسِه.
وفيه أنَّ ما حَرَّمَه رَسولُ اللهِ فهو في الحُكمِ كما حَرَّمَه اللهُ تعالى سَواءً.
وفيه النَّهيُ عن أكلِ كُلِّ ذي نابٍ مِنَ السِّباعِ.
وفيه النَّهيُ عن أكلِ الحِمارِ الأهليِّ.
وفيه النَّهيُ عن أخذِ لُقَطةِ المُعاهَدِ إلَّا إذا استَغنى عنها.
وفيه مَشروعيَّةُ أخذِ الضَّيفِ بقَدرِ ضيافتِه إذا نَزَلَ عِندَ قَومٍ ولَم يُضَيِّفوه .