الموسوعة الفقهية

المطلب الثاني: عددُ آياتِ الفاتحةِ، وحُكمُ البسملةِ فيها


الفَرْعُ الأُول: عددُ آياتِ الفاتحةِ
عددُ آياتِ الفاتحةِ سبعُ آياتٍ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِن الكتابِ
قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر: 87]
ثانيًا: من السُّنَّة
عن أبي هُرَيرَةَ رضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أمُّ القُرآنِ: هي السَّبْعُ المَثَاني، والقرآنُ العَظيمُ )) رواه البخاري (4704).
وفي روايةٍ: ((هي أمُّ القرآنِ، وهي فاتحةُ الكتابِ، وهي السَّبْعُ المَثاني)) رواه ابن جرير الطبري في ((تفسيره)) (1/107).
ثالثًا: من الإجماعُ
نقَل الإجماعَ مع هذا العددِ الذي نُقل عنه الإجماعُ؛ فإنَّ ابنَ حجر قال: (فيه دليلٌ على أنَّ الفاتحة سبع آيات، ونقلوا فيه الإجماعَ، لكن جاء عن حسين بن علي الجعفي أنَّها ستُّ آيات؛ لأنَّه لم يعُدَّ البسملة، وعن عمرو بن عبيد أنَّها ثمان آيات؛ لأنَّه عدَّها، وعدَّ أنعمت عليهم، وقيل: لم يعُدَّها وعدَّ إياك نعبد، وهذا أغربُ الأقوال) ((فتح الباري)) (8/159). على كونِ الفاتحةِ سبعَ آياتٍ: ابنُ المُنذِرِ قال ابنُ المنذِر: (وقد أجمعوا أنها سبعُ آيات) ((الأوسط)) (3/282). ، وابنُ عبدِ البرِّ قال ابن عبد البرِّ: (وقد أجمعت الأمةُ أن فاتحةَ الكتاب سبع آيات، وقال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((هي السبعُ المثاني))، وأجمع القراءُ والفقهاءُ على أنها سبعُ آيات) ((الاستذكار)) (1/453). ، وابنُ العربيِّ قال ابنُ العربيِّ: (لا خلافَ أنَّ الفاتحة سبعُ آيات) ((أحكام القرآن)) (1/10). ، والقُرطبيُّ قال القرطبيُّ: (أجمعتِ الأمَّة على أنَّ فاتحة الكتاب سبعُ آيات، إلَّا ما رُوي عن حسين الجعفي: أنها سِتٌّ، وهذا شاذ، وإلا ما رُوي عن عمرو بن عبيد أنَّه جعل إِيَّاكَ نَعْبُدُ آيةً، وهي على عدِّه ثماني آيات، وهذا شاذٌّ) ((تفسير القرطبي)) (1/114). ، والنَّوويُّ قال النَّوويُّ: (قد أجمعت الأمة على أن الفاتحة سبع آيات) ((المجموع)) (3/338). ، وابنُ تيميَّةَ قال ابنُ تَيميَّة: (الفاتحة سبعُ آياتٍ بالاتفاق) ((مجموع الفتاوى)) (22/351). ، وابنُ كثيرٍ قال ابن كثير: (هي سبع آيات بلا خلاف) ((تفسير ابن كثير)) (1/101). والشَّوكانيُّ قال الشَّوكانيُّ: (لأن الفاتحة سبعُ آيات بالإجماع) ((نيل الأوطار)) (2/241).
الفَرْعُ الثَّاني: هل البَسْملةُ مِن الفاتحةِ؟
البَسملةُ ليسَتْ آيةً مِن الفاتحةِ، وهذا مذهبُ الجمهور: الحنفيَّةِ ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/112)، وينظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/143). ، والمالكيَّةِ ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/289)، وينظر: ((تفسير القرطبي)) (1/117). ، والحنابلةِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/335)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/36). ، وحُكِي الإجماعُ على ذلك قال البهوتي: ("وليست" بسم الله الرحمن الرحيم "منها"؛ أي: من الفاتحَةِ؛ جَزَمَ به أكثرُ الأصحابِ، وصحَّحه ابن الجوزي، وابن تميم، وصاحب الفروع، وحكاه القاضي إجماعًا سابقًا) ((كشاف القناع)) (1/335).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((قال اللهُ تعالى: قسَمْتُ الصَّلاةَ بيني وبين عبدي نِصفينِ، ولعبدي ما سأَلَ، فإذا قال العبدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، قال اللهُ: حمِدَني عبدي، فإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قال اللهُ: أثنى علَيَّ عبدي، فإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، قال: مجَّدَني عبدي، فإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأَل، فإذا قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأَل )) رواه مسلم (395).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ البَسْملةَ لو كانت آيةً، لعَدَّها وبدأ بها، ولَمَا تحقَّق التَّنصيفُ؛ لأنَّ ما هو ثناءٌ وتمجيدٌ أربعُ آياتٍ ونصفٌ، وما هو لآدميٍّ آيتانِ ونصفٌ؛ لأنَّها سبعُ آياتٍ إجماعًا ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/335).
2- عن أنسِ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنه، قال: ((صلَّيتُ خلفَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأبي بكرٍ، وعمرٍ؛ فكانوا لا يذكُرونَ بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ في أوَّلِ قراءةٍ، ولا في آخِرِها )) رواه مسلم (399).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ التَّمييزَ بينها وبين الفاتحةِ في الجَهرِ وعدمِه يدلُّ على أنَّها ليسَتْ منها ((تفسير الفاتحة)) لابن عُثَيمين (1/8).
ثانيًا: أنَّنا لو جعَلْنا البَسْملةَ مِن الفاتحةِ، لكانت الآيةُ الأخيرةُ طويلةً لا تتناسَبُ مع الآياتِ التي قبلها؛ لأنَّها ستكونُ: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ، وهذه تساوي آيتينِ؛ ولهذا كان الصَّوابُ: أنَّ آخرَ الآيةِ السَّادسةِ قولُه تعالى: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ((لقاء الباب المفتوح)) لابن عُثَيمين (رقم اللقاء: 112).
الفَرْعُ الثَّالِثُ: حُكمُ الجَهرِ والإسرارِ بالبَسْملةِ قبل الفاتحةِ
تُسَنُّ قِراءةُ البَسْملةِ سرًّا في الصَّلاة قبل الفاتحةِ وكلِّ سورةٍ، وهذا مذهبُ الحنفيَّةِ ((تبيين الحقائق للزيلعي مع حاشية الشلبي)) (1/112)، وينظر: ((اختلاف الأئمة العلماء)) لابن هبيرة (1/109). ، والحنابلةِ ((مطالب أولي النهى)) (1/504)، وينظر: ((مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه)) للكوسج (2/535)، ((المغني)) لابن قدامة (1/345). ، واختارَه ابنُ تيميَّةَ قال ابنُ تَيميَّة: (وكذلك الجهْرُ بالبسملةِ والمخافتَةِ بها، صحَّ الجهرُ بها عن طائفةٍ من الصحابة، وصحَّت المخافَتَةُ بها عن أكثرهم، وعن بعضِهم الأمران جميعًا، وأمَّا المأثورُ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فالذي في الصِّحاح والسُّنَن يقتضي أنَّه لم يكن يجهرُ بها، كما عليه عَمَلُ أكثَرِ الصحابة وأمَّتِه؛ ففي الصحيح حديثُ أنسٍ، وعائشة، وأبي هريرة، يدلُّ على ذلك دَلالةً بيِّنَة لا شبهةَ فيها، وفي السُّنَن أحاديثُ أُخَرُ، مثل حديث ابن مغفل وغيره، وليس في الصحاح والسنن حديثٌ فيه ذِكْرُ جهرِه بها، والأحاديث المصَرِّحة بالجهر عنه كُلِّها ضعيفةٌ عند أهل العِلْمِ بالحديثِ؛ ولهذا لم يُخَرجوا في أمهات الدواوين منها شيئًا، ولكِنْ في الصحاح والسنن أحاديثُ محتَمِلة، وقد روى الطبراني بإسناد حسن "عن ابن عباس، أنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يجهر بها إذ كان بمكَّة، وأنَّه لَمَّا هاجر إلى المدينة تَرَكَ الجَهْرَ بها حتى مات"، ورواه أبو داود في الناسخ والمنسوخ، وهذا يناسب الواقِعُ؛ فإنَّ الغالب على أهل مكَّة كان الجهر بها، وأمَّا أهل المدينة والشام والكوفة فلم يكونوا يجهرون بها، وكذلك أكثَرُ البصريين، وبعضُهم كان يجهَرُ بها؛ ولهذا سألوا أنسًا عن ذلك، ولعلَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يجهر بها بعضَ الأحيانِ، أو جهرًا خفيفًا إذا كان ذلك محفوظًا، وإذا كان في نفس كتب الحديثِ أنَّه فعل هذا مرَّةً وهذا مرة زالت الشُّبهة). ((مجموع الفتاوى)) (22/371، 372). ، وابنُ بازٍ قال ابن باز: (الأفضَلُ: الإسرارُ بالبسملةِ؛ لقول أنس رضي الله عنه: «كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما لا يجهرون بـ: «بسم الله الرحمن الرحيم»، وإذا جهَر بها الإنسانُ بعضَ الأحيان للتعليم، فلا بأس به؛ لأنَّه ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه ما يدل على ذلك) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (29/244). ، وابنُ عُثَيمين قال ابن عُثَيمين: (الرَّاجِحُ أنَّ الجهْرَ بالبسملة لا ينبغي، وأنَّ السنَّة الإسرارُ بها؛ لأنَّها ليست من الفاتحة، ولكِنْ لو جهر بها أحيانًا فلا حَرَجَ، بل قد قال بعض أهل العِلْم: إنَّه ينبغي أن يجهَرَ بها أحيانًا؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد رُوِيَ عنه "أنَّه كان يجهر بها"، ولكن الثَّابِتَ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "أنَّه كان لا يجهَرُ بها"، وهذا هو الأَوْلى ألَّا يجهرَ بها، ولكِنْ لو جهر بها تأليفًا لقومٍ مذهبُهم الجهرُ، فأرجو ألا يكونَ به بأسٌ) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثَيمين)) (13/109).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أنسِ بنِ مالكٍ، أنَّه حدَّثه قال: ((صلَّيتُ خلفَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ، فكانوا يستفتحون بـ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة: 1] ، لا يذكرون بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ في أوَّلِ قراءةٍ ولا في آخرِها))، وفي روايةٍ: ((صلَّيتُ مع أبي بكرٍ وعُمرَ وعثمانَ، فلم أسمَعْ أحدًا منهم يقرَأُ بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ رواه البخاري (743)، مسلم (399) واللفظ له، والرواية الثانية: رواها مسلم (399). )).
ثانيًا: من الآثار
عن الأَسودِ قال: (صلَّيتُ خلفَ عمرَ سبعين صلاةً فلم يجهَرْ فيها بـ: "بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ") رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (1/411)، وابن المنذر في ((الأوسط)) (1361) جوَّد إسناده ابن رجب في ((فتح الباري)) (4/378).
 ثالثًا: أنَّه مِن المُحالِ أن يكونَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يجهَرُ بها دائمًا في كلِّ يومٍ وليلةٍ خمسَ مرَّاتٍ أبدًا، حضَرًا وسفَرًا، ويَخفَى ذلك على خلفائِه الرَّاشدينَ، وعلى جمهورِ أصحابِه، وأهلِ بلدِه في الأعصارِ الفاضلةِ ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/207).
رابعًا: عمَلُ أهلِ العِلمِ
نقَلَ عمَلَ أهلِ العلمِ على ذلك: التِّرمذيُّ قال الترمذي بعد روايته حديث أنس رضي الله عنه: (هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم مِن أصحاب النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والتابعين، وَمن بعدهم، كانوا يستفتحون القراءة ب-: الحمد لله رب العالمين، قال الشافعي: إنما معنى هذا الحديث أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأبا بكر، وعمر، وعثمان، كانوا يفتتحون القراءة ب-: الحمد لله رب العالمين، معناه: أنهم كانوا يبدؤون بقراءة فاتحة الكتاب قبل السورة، وليس معناه: أنهم كانوا لا يقرؤون: بسم الله الرحمن الرحيم). ((سنن الترمذي)) (2/16).

انظر أيضا: