الموسوعة الفقهية

المطلب الرابعُ: اشتراطُ إسماعِ النَّفْسِ عند القراءةِ


 لا يُشترَطُ أن يُسمِعَ نفسَه لكن دلَّتِ الأحاديثُ النبويَّة على أنَّ قراءةَ السِّرِّ تكون بتحريكِ اللِّسان والشفتين، وهذا القَدْرُ لا بدَّ منه في القراءة والذِّكْرِ، وغيرِهما من الكلامِ. ينظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (7/17). ، وهو مذهبُ المالكيَّةِ ((منح الجليل)) لابن عليش (1/246)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/269). ، وقولٌ للحنفيَّةِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/162)، وذكر الكاساني أنه أقيَسُ وأصحُّ. ، ووجهٌ عند الحنابلةِ ((الإنصاف)) للمرداوي (2/34). وهو قولُ الثَّوريِّ قال ابن رجب: (وقال الثوري: لا يُشتَرط، بل يكفي تصويُر الحروف، وهو قول الخَرَقي من الحنفيَّة، وظاهرُ كلام أحمد) ((فتح الباري)) (7/18). ، اختارَه ابنُ تيميَّةَ قال المرداويُّ: (واختار الشيخ تقيُّ الدين الاكتفاءَ بالإتيان بالحروف وإنْ لم يسمعها، وذكَره وجهًا في المذهب) ((الإنصاف)) (2/34). ، وابنُ القيِّمِ قال ابنُ القيِّم: (... هل يُشتَرَطُ أن يُسْمِعَها نفسَه؟ فقيل: لا بد أن يُسْمِعَ نَفْسَه، وقال شيخنا: هذا لا دليلَ عليه، بل متى حرَّك لسانه بذلك كان متكلِّمًا، وإن لم يُسْمِعْ نَفْسَه، وهكذا حُكمُ الأقوالِ الواجبة والقراءة الواجبة، قلت: وكان بعضُ السَّلف يُطْبِق شفتيه ويحرِّك لسانه بـ: لا إله إلَّا اللهُ ذاكرًا، وإن لم يُسْمِعْ نفسه؛ فإنه لا حظَّ للشَّفَتين في حروف هذه الكَلَمة، بل كلُّها حلقية لسانية، فيمْكِن الذَّاكِر أن يُحَرِّكَ لسانَه بها، ولا يُسْمِع نفسَه ولا أحدًا من الناس، ولا تراه العينُ يَتكَلَّم) ((إعلام الموقعين)) (3/287). ، وابنُ عُثَيمين قال ابن عُثَيمين: (والصَّحيحُ: أنَّه لا يُشْتَرَط أن يُسْمِعَ نَفْسَه، لكن يُشْتَرَط أن ينطِقَ) ((لقاء الباب المفتوح)) (رقم اللقاء: 16). وقال أيضًا: (الصحيح: أنه لا يُشتَرَط أن يُسْمِعَ نَفْسَه؛ لأنَّ الإسماع أمرٌ زائد على القول والنُّطْق، وما كان زائدًا على ما جاءت به السنَّة فعلى المدَّعِي الدليل، وعلى هذا: فلو تأكد الإنسانُ من خروجِ الحُروفِ من مخارجها، ولم يُسْمِعْ نفسَه، سواءٌ كان ذلك لضَعْفِ سَمْعِه، أم لأصواتٍ حوله، أم لغير ذلك، فالراجِحُ أنَّ جميع أقواله معتبَرَة، وأنَّه لا يُشتَرَط أكثرُ ممَّا دلَّت النصوصُ على اشتراطه) ((الشرح الممتع)) (3/21).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الآثار
قالَ ابنُ مسعودٍ: (مَن أسمَعَ أُذُنيه فلم يُخافِتْ) أخرجه الطبراني (9/322) (9398)، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3700)، والطبري في ((تفسيره)) (17/589). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (2/270): رجاله رجال الصحيح.
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الأثرَ يدلُّ على أنَّ إسماعَ الأُذُنينِ جهرٌ، فيكونُ السِّرُّ دونَه ((فتح الباري)) لابن رجب (7/18).
ثانيًا: أنَّ القراءةَ فِعلُ اللِّسانِ، وذلك بتحصيلِ الحروفِ ونظمِها على وجهٍ مخصوصٍ، وقد وجدَ، فأمَّا إسماعُه نفسَه فلا عبرةَ به؛ لأنَّ السَّماعَ فعلُ الأُذنينِ دونَ اللِّسانِ، بدليلِ أنَّ القراءةَ تتحقَّقُ مِن الأصمِّ وإن كان لا يسمَعُ نفسَه ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/162).
ثالثًا: أنَّ الإسماعَ أمرٌ زائدٌ على القولِ والنُّطقِ، وما كان زائدًا على ما جاءَتْ به السنَّةُ فعلى المدَّعِي الدَّليلُ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (3/21).

انظر أيضا: