المَطلَبُ الثَّاني: استقبالُ عينِ الكَعبةِ
الفَرعُ الأوَّل: استقبالُ عَينِ الكعبةِ لِمَن يُشاهِدُ البيتَيَجِبُ استقبالُ عينِ الكعبةِ لِمَن يُشاهِدُ البيتَ.
الأدلَّة:أوَّلًا: من الكِتابقال اللهُ تعالى:
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة: 144] ثانيًا: من السُّنَّةعن
ابنِ عبَّاسٍ، قال:
((لَمَّا دخَل النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم البيتَ، دعا في نواحيه كلِّها، ولم يُصلِّ حتى خرَجَ منه، فلمَّا خرَج ركَعَ ركعتينِ في قُبُلِ الكَعبةِ، وقال: هذه القِبلةُ ))
ثالثًا: من الإجماعنقَل الإجماعَ على ذلك:
ابنُ حزمٍ
، و
ابنُ رشدٍ
، و
ابنُ قُدامةَ
، و
ابنُ تيميَّة
الفَرْعُ الثاني: استقبالُ القِبلةِ لِمَنْ كانَ بمَكَّةَيُشترَطُ لِمَن كان بمكَّةَ وأَمكَنه مشاهدةُ الكعبةِ استقبالُ عَينِها، ومَن لا يُمكِنُه مشاهدتُها لبُعدٍ، أو حيلولةِ شيءٍ دونها، اكتَفَى بالجهةِ، وهو مذهبُ الحنفيَّة
، وقولٌ عند الشافعيَّة
، واختاره
الصنعانيُّ
، و
الشوكانيُّ
، و
ابنُ باز
، و
ابنُ عثيمين
الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتاب1- قوله تعالى:
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُوَجْهُ الدَّلالَةِ:قوله عزَّ وجل:
شَطْرَهُ - سواءٌ كان جِهتَه أو نحوَه أو تلقاءَه أو قِبلَه، على اختلاف تفاسيرِ السَّلف للشَّطرِ - يدلُّ على أنَّ استقبالَ الجِهةِ يَكفي مِن الحاضرِ والغائبِ إلَّا إذا كانَ حالَ قيامِه إلى الصَّلاةِ مُعاينًا للبيتِ
2- قوله تعالى:
لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286] ثانيًا: الحرجُ في إلزامِ حقيقةِ المسامتةِ
في كلِّ بُقعةٍ يُصلِّي فيها
الفَرْعُ الثَّالِثُ: استقبالُ القِبلةِ لمَن كان خارجَ مكَّة مَن بَعُدَ عن البيتِ فالفرضُ استقبالُ جِهةِ الكَعبةِ، وهو مذهبُ الجمهور: الحنفيَّة
، والمالكيَّة
، والحنابلة
، وقولٌ للشافعيَّة
، وقولُ
ابنِ حَزمٍ
، وهو اختيارُ
ابنِ باز
، و
ابنِ عُثَيمين
، وحُكيَ الإجماع على ذلك
الأدلَّة:أوَّلًا: من الكِتاب1- قال الله تعالى:
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة: 144] وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ معنى شَطْره، أي: نَحوَه وتلقاءَه
2- قال تعالى:
وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78] وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه لو كانَ يجِبُ قَصدُ عينِ الكعبةِ لِمَن بَعُدَ عنها؛ لكان حرجًا؛ فإنَّ إصابةَ العينِ شيءٌ لا يُدرَكُ إلَّا بتقريبٍ وتسامُح بطريقِ الهندسةِ واستعمالِ الأرصادِ في ذلِك؛ فكيف بغيرِ ذلِك من طُرقِ الاجتهادِ؟!
ثانيًا: من السُّنَّةعن أبي أيُّوبَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إذا أَتيتُم الغائطَ فلا تَستقبِلوا القِبلةَ ولا تَستدبِرُوها ببولٍ ولا غائطٍ، ولكن شَرِّقوا أو غَرِّبوا ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ: هذا بيانٌ أنَّ ما سوى التشريقِ والتغريبِ استقبالٌ للقِبلةِ أو استدبارٌ لها، وهو خطابٌ لأهلِ المدينةِ ومَن كانَ مقابلًا وموازيًا لهم مِثل أهلِ الشَّام والعراقِ واليمنِ ونحوِهم
ثالثًا: أنَّ الصَّحابةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهم لَمَّا فتحوا الأمصارَ، بنَوْا مساجد على جِهةِ الكعبةِ، بحيث لا يُطابِقُ ذلك سَمْتَ العينِ على الوجهِ الذي يَعرِفُه أهلُ الحسابِ، وصَلَّوا إليها، وأجمَع المسلمون بعدَهم على الصَّلاةِ إليها
رابعًا: قدِ اجتمعتِ الأمَّة على صِحَّةِ الصَّفِّ المستطيلِ مع البُعد عن الكعبةِ، مع العِلمِ بأنَّه لا يمكن أنْ يكونَ كلُّ واحدٍ منهم مستقبلًا لعينِها
خامسًا: أنَّ إصابةَ العينِ بالاجتهادِ مُتعذِّرة فسَقطَتْ، وأُقيمتِ الجهةُ مقامَها للضرورةِ
الفَرْعُ الرابع: الانحرافُ اليَسيرُ لا يضرُّ الانحرافُ اليسيرُ لِمَن استقبلَ جِهةَ الكعبةِ، وهو مذهبُ الحنفيَّة
، والحنابلة
، وهو قول
مالكٍ
، واختارَه
ابنُ تيميَّة
، و
ابنُ عُثيمين
، وبه صدَرتْ فتوى اللَّجنةِ الدَّائمة
وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ الانحرافَ اليسيرَ لا يُغيِّر من اتِّجاهِ القِبلةِ، والواجبُ استقبالُ جِهةِ الكعبةِ لا عَينِها للبعيدِ عن الكعبةِ
ثانيًا: أنَّ الانحرافَ اليسيرَ لا يَسلُبُ اسمَ الاستقبالِ عن البعيدِ عن الكعبةِ
ثالثًا: أنَّ الانحرافَ اليسير ليس فيه يقينُ خطأٍ، وإنَّما هو اجتهادٌ لم يرجعْ منه إلى يقينٍ، وإنَّما رجَع من دلالةٍ إلى اجتهادِ مِثلها
رابعًا: أنَّ السَّعةَ في القِبلة لأهلِ الآفاق مبسوطةٌ مسنونةٌ، وهذا معنى قولِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقولِ أصحابِه:
((ما بين المشرقِ والمغربِ قِبلةٌ ))
خامسًا: أنَّه إخلالٌ بيسيرٍ من الشرائطِ يشقُّ مراعاتُه في الجُملةِ، فعُفِي عنه كيسيرِ النجاسةِ