المَطْلَبُ السَّادِسُ: أن يكونَ المَبِيعُ مَعلومًا
الفَرْعُ الأوَّلُ: اشتراطُ أن يكونَ المَبِيعُ مَعلومًا للمُتعاقِدَينِيُشْتَرَطُ لصِحَّةِ البَيْعِ كَونُ المَبِيعِ مَعلومًا لكُلٍّ مِنَ العاقِدَينِ (البائِعِ والمُشتَري).
الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقَولُه تعالى:
لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء: 29] وَجْهُ الدَّلالةِ: أنَّ الآيةَ فيها نَهيٌ عن أكلِ أموالِ النَّاسِ بالباطِلِ، ومِن ذلك إذا كانَ المَبيعُ مَجهولًا، وأيضًا فإنَّ قَولَه تعالى:
عَنْ تَرَاضٍ يَدُلُّ على اشتِراطِ الرِّضا، والجَهالةُ قد تَتَنافى مع الرِّضا؛ لأنَّ أحَدَهُما قد لا يَرضى المَبيعَ إذا عَلِمَه
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال:
((نَهى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن بَيعِ الحَصاةِ، وعن بَيْعِ الغَرَرِ ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عن بَيعِ الغَرَرِ، وبَيْعِ المَجهولِ غَرَرٌ؛ لأنَّه لا يُعرَفُ جِنسُه ولا نَوعُه
ثالِثًا: مِنَ الإجماعِنَقَل الإجْماعَ على ذلك:
الشَّافِعيُّ
، و
ابنُ العَرَبيِّ
، وشَمسُ الدِّينِ ابنُ قُدامةَ
، و
العَينيُّ
رابعًا: لأنَّ جَهالةَ المَبيعِ تَمنَعُ مِن تَسليمِه وتَسَلُّمِه، وتُؤَدِّي إلى تَنازُعِ المُتَبايِعَينِ، ويَصيرُ العَقْدُ بها غَيرَ مُفيدٍ، وكُلُّ عَقْدٍ يُؤَدِّي إلى النِّزاعِ فاسِدٌ
الفَرْعُ الثَّاني: رُؤيةُ المَبِيعِالمَسألةُ الأُولى: الحاضِرُ المَرْئيُّيَجوزُ بَيْعُ الحاضِرِ المَرئيِّ.
الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ1 - عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال:
((نَهى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن بَيعِ الحَصاةِ، وعن بَيعِ الغَرَرِ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ العَينَ إذا كانَت حاضِرةً مَرئيَّةً في مَجْلِسِ العَقدِ، فإنَّها تَكونُ قد سَلِمَتْ مِنَ الغَرَرِ الَّذي نَهى عنه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الحَديثِ
2 - عن حَكيمِ بنِ حِزامٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، يَأتيني الرَّجُلُ يَسألُني البَيعَ ليسَ عِندي ما أبيعُه، ثُمَّ أبيعُه مِنَ السُّوقِ؟ فقال: لا تَبِعْ ما ليس عِندَك))
وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ ما ليس عِندَ البائِعِ غَيرُ مَرئيٍّ للمُشتَري والبائِعِ، فيَدخُلُ غَيرُ المَرئيِّ في النَّهيِ عن بَيعِ ما ليس عِندَه
ثانيًا: مِنَ الإجماعِنَقَل الإجْماعَ على ذلك:
ابنُ حَزمٍ
، و
ابنُ عَبدِ البَرِّ
، و
ابنُ رُشدٍ
المَسألةُ الثَّانيةُ: الرُّؤيةُ المُتقَدِّمةُ على العَقدِتَجوزُ الرُّؤيةُ المُتَقدِّمةُ على العَقدِ إذا لم يَتَغَيَّرِ المَبيعُ في الغالِبِ
، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّةِ
، والمالِكيَّةِ
، والأظهَرُ عند الشَّافِعيَّةِ
، والحَنابِلةِ
وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ شَرْطَ الصِّحَّةِ العِلمُ، وقد حصل بطَريقِه، وهي الرُّؤيةُ المتقَدِّمةُ
ثانيًا: أنَّه جَرى العَمَلُ على تَبايُعِ العُمْيانِ مِن غَيرِ نَكيرٍ ما دامَ الأعمى يَعرِفُ المَبيعَ بما يَكفي عن رُؤيَتِه، وهَذا مِثلُه في المَعنى
الفَرْعُ الثَّالثُ: وسائِلُ تَعْيينِ المَبِيعِ
المَسألةُ الأُولى: الإشارةُمن وَسائِلِ تَعْيينِ المَبِيعِ الإشارةُ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّةِ
، والمالِكيَّةِ
، والشَّافِعيَّةِ
، والحَنابِلةِ
، وذلك لأنَّ بالإشارةِ كِفايةً في التعريفِ، وترتَفِعُ به الجَهالةُ المُفْضِيةُ إلى المنازَعةِ
المَسألةُ الثَّانية: الوَصْفُمن وَسائِلِ تَعْيينِ المَبِيعِ الوَصْفُ إذا كان المَبِيعُ غائِبًا
المَسألةُ الثَّالِثةُ: بَيانُ المِقدارِمن وَسائِلِ تَعْيينِ المَبِيعِ بيانُ المِقْدارِ
، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّةِ
، والمالِكيَّةِ
، والشَّافِعيَّةِ
، والحَنابِلةِ
، وذلك لأنَّ جَهالةَ المِقْدارِ تُفْضي إلى النِّزاعِ المانِعِ مِن التسليمِ والتسَلُّمِ
الفَرْعُ الرَّابعُ: بَيْعُ الأعمى وشِراؤُهيَصِحُّ بَيْعُ الأعمى وشِراؤُه في الجُملةِ، وهو مَذْهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ
، والمالِكيَّةِ
، والحَنابِلةِ
، وقَولٌ عند الشَّافِعيَّةِ
وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ العُمْيانَ في كُلِّ زَمانٍ مِن لَدُنْ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُمنَعوا مِن بياعاتِهم وأشرِيَتِهم، بَل بايَعوا في سائِرِ الأعصارِ مِن غَيرِ إنكارٍ
ثانيًا: لأنَّ الأعمى يُمكِنُه الاطِّلاعُ على المقصودِ ومَعرِفَتُه، فأشبَهَ بَيْعَ البَصيرِ
ثالِثًا: لأنَّ إشارةَ الأخرَسِ تقومُ مَقامَ نُطْقِه، فكذلك شَمُّ الأعمى وذَوقُه
الفَرْعُ الخامِسُ: بَيْعُ الغائِبِ المَسألةُ الأُولى: بَيْعُ الغائِبِ بدُونِ رُؤيةٍ أو وَصْفِ يُزيلُ الجَهالةَ يَجوزُ بَيعُ الغائِبِ بدونِ رُؤيةٍ أو وَصْفٍ، ولِلمُشتَري الخيارُ إذا رَآه، وهو مَذْهَبُ الحَنَفيَّةِ
، والمالِكيَّةِ
، وقَولٌ عند الشَّافِعيَّةِ
، وروايةٌ عن
أحمَدَ
، ونُقِلَ عن جُمهورِ العُلَماءِ
، واختاره
ابنُ تَيمِيَّةَ في أظهَرِ قَولَيه
الأدِلَّةُ:أوَّلًا: مِنَ الآثارِعن سالِمٍ قال: قال
ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: (كُنَّا إذا تَبايَعْنا كانَ كُلُّ واحِدٍ مِنَّا بالخِيارِ ما لم يَتَفَرَّقِ المُتَبايِعانِ. قال: فتَبايَعْتُ أنا وعُثمانُ، فبِعْتُه مالًا لي بالوادي بما لهُ بخَيبَرَ. قال: فلَمَّا بايَعْتُه طَفِقْتُ أنكِصَ على عَقِبي نَكْصَ القَهْقَرى؛ خَشيةَ أن يَتَرادَّني البَيعَ عُثْمانُ قَبلَ أن أُفارِقَهـ)
وَجْهُ الدَّلالةِ:أنَّ عُثمانَ بنَ عَفَّانَ، و
عَبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهم قد تَبايَعا ما هو غائِبٌ عنهما، ورَأيا ذلك جائِزًا، وذلك بحَضرةِ أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلم يُنكِرْه عليهما مُنكِرٌ
ثانيًا: لأنَّ الجَهالةَ فيه لا تُفْضي إلى المُنازَعةِ؛ لأنَّه إذ لم يوافِقْه رَدَّه، فصار كجَهالةِ الوَصفِ في المُشاهَدِ المُعايَنِ
ثالِثًا: لأنَّه عَقْدُ مُعاوَضةٍ، فلم تفتَقِرْ صِحَّتُه إلى رؤيةِ المعقودِ عليه، كالنِّكاحِ
المَسألةُ الثَّانيةُ: بَيْعُ الغائِبِ عن طَريقِ الوَصْفِ المُزِيلِ للجَهالةِ
يَجوزُ بَيْعُ العَينِ الغائِبةِ عن طَريقِ الوَصْفِ المُزيلِ للجَهالةِ، وهو مَذْهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ
، والمالِكيَّةِ
، والحَنابِلةِ
، وقَولٌ للشَّافِعيَّةِ
وذلك للآتي:أوَّلًا: لأنَّ الصِّفةَ تَقومُ مَقامَ رُؤيةِ المَوصوفِ
ثانيًا: قياسًا على صِحَّةِ بَيْعِ الأعمى؛ فإنَّه يَبيعُ ويشتري بالوَصْفِ
ثالثًا: لأنَّه نوعُ بَيْعٍ بالصِّفةِ، فيَصِحُّ كالسَّلَمِ
رابعًا: قياسًا على جَوازِ بَيعِ الحَبِّ في أكمامِه، فإذا جازَ بَيعُ الحَبِّ في أكمامِه، وهو غَيرُ مَرئيٍّ، جازَ أن يَشتَريَ منه إذا كانَ غائِبًا، على صِفةٍ؛ إذ لا فَرْقَ إذا غابَ المَبيعُ بَينَ أن يَبيعَه على الصِّفةِ أو على مِثالٍ يُريه إيَّاه
المَسألةُ الثَّالِثةُ: ضَمانُ المَبيعِ الغائِبِ ضمانُ المَبِيعِ الغائِبِ
يكونُ على البائِعِ إجمالًا، وهو مَذْهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ
، والمالِكيَّةِ -في المشهورِ عِندَهم-
، والحَنابِلةِ
، وذلك لأنَّ بقاءَ سُلطةِ البائِعِ عليه تُفيدُ بَقاءَ ضَمانِه