الموسوعة الفقهية

المطلب الثالث: ما يَجِبُ على المرأةِ سَترُه أمامَ المُسلِمة


يجِبُ على المرأةِ أمامَ المرأةِ المُسلِمةِ أن تستُرَ بدَنَها سوى ما يظهرُ منها غالبًا، كالرَّقَبةِ والشَّعرِ والقَدَمينِ، ونحوِ ذلك [66] أمَّا ما يحدُثُ في هذا الزَّمنِ في الأعراسِ والمُناسَباتِ العامَّةِ مِن عُريٍ وتفَسُّخٍ، فهذا ممَّا لا يُرضي اللهَ عزَّ وجَلَّ، ولو كان أمامَ نِساءٍ مُسلِماتٍ، ففيه تشَبُّهٌ بالفاسِقاتِ، وإثارةٌ للشَّهَواتِ. قال ابن عثيمين: (... وأمَّا ما اشتَبَه على بعضِ النِّساءِ مِن قَولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «لا تنظُرِ المرأةُ إلى عورةِ المرأةِ، ولا الرجُلُ إلى عورةِ الرَّجُلِ» وأنَّ عورةَ المرأةِ بالنِّسبةِ للمرأةِ ما بين السُّرَّة والرُّكبة، مِن أنَّه يدُلُّ على تقصيرِ المرأةِ لِباسَها؛ فإنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يقُل: لباسُ المرأةِ ما بين السُّرَّة والرُّكبةِ، حتى يكونَ في ذلك حُجَّةٌ، ولكِنَّه قال: «لا تنظُرِ المرأةُ إلى عورةِ المرأةِ» فنهى النَّاظِرةَ؛ لأنَّ اللابِسةَ عليها لِباسٌ ضافٍ، لكِنْ أحيانًا تَكشِفُ عورتَها لقضاءِ الحاجةِ أو غيرِه من الأسبابِ، فنهى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن تنظُرَ المرأةُ إلى عورةِ المرأة، ولَمَّا قال النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «لا ينظُرِ الرَّجُلُ إلى عورةِ الرَّجُلِ» فهل كان الصَّحابةُ يَلبَسون أُزُرًا من السُّرَّة إلى الرُّكبة، أو سراويلَ مِن السُّرَّة إلى الرُّكبة؟! وهل يُعقَلُ الآنَ أنَّ امرأةً تخرُجُ إلى النِّساءِ ليس عليها من اللِّباسِ إلَّا ما يستُرُ ما بين السُّرَّة والرُّكبة؟! هذا لا يقولُه أحدٌ، ولم يكُن هذا إلَّا عند نساءِ الكُفَّار، فهذا الذي فَهِمَه بعضُ النِّساءِ مِن هذا الحديث لا صِحَّةَ له، والحديثُ معناه ظاهِرٌ، لم يقُلِ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لباسُ المرأةِ ما بين السُّرَّة والرُّكبة؛ لعلَّ النساءَ أن يتَّقينَ الله، وأن يتحَلَّينَ بالحياءِ الذي هو مِن خُلُقِ المرأة، والذي هو من الإيمانِ، كما قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «الحياءُ شُعبةٌ من الإيمانِ». وكما تكون المرأةُ مَضرِبًا للمَثَلِ، فيقال: «أحيا مِن العَذراءِ في خِدرِها» ولم نَعلَمْ ولا عن نساءِ الجاهليَّةِ أنهُنَّ كُنَّ يَستُرْنَ ما بين السُّرَّة والرُّكبةِ فقط، لا عند النِّساءِ ولا عند الرِّجالِ، فهل يُرِدْنَ هؤلاء النِّساءُ أن تكونَ نِساءُ المسلمين أبشَعَ صورةً مِن نساءِ الجاهلية؟! والخلاصةُ: أنَّ اللِّباسَ شيءٌ، والنَّظَرَ إلى العورةِ شَيءٌ آخر). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/275). ، وهو روايةٌ عن أبي حنيفةَ [67] ((الهداية)) للمَرْغِينانيِّ (4/370)، ((تبيينُ الحقائق)) للزَّيلعيِّ (6/18). ، وقولُ ابنِ القَطَّان من المالكيَّة [68] قال ابنُ القَطَّان: (تُبدي المرأةُ للمَرأةِ ما تُبديه لذوي مَحارِمِها، وهي ممنوعةٌ ممَّا زادَ عليه). ((إحكام النظر)) (284). ، وهو قَولُ الألبانيِّ [69] قال الألبانيُّ: (وأما المرأةُ مع المرأةِ المُسلِمةِ- طبعًا- فهي عورةٌ، إلَّا مواطِنَ الزِّينةِ منها، وهي: الرأسُ، والأذُنُ، والنَّحرُ، وأعلى الصَّدر- مَوضع القِلادة- والذِّراعُ، مع شيءٍ مِن العضُدِ- موضِع الدُّمْلُج- والقَدَمُ، وأسفَلُ السَّاقِ- موضِع الخَلخَال- وما سوى ذلك فعورةٌ لا يجوز للمرأةِ- كالمحارمِ- أن تَنظُرَ إلى شيءٍ منها، ولا أن تُبدِيَه؛ لصريحِ قَولِه تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ). ((تلخيص أحكام الجنائز)) (ص:30). ، وابنِ عُثَيمينَ [70] قال ابنُ عُثَيمين: (وأمَّا اللِّباسُ فلا يجوزُ للمرأةِ أن تلبَسَ لِباسًا لا يستُرُ إلَّا العورةَ، وهي ما بين السُّرَّة والرُّكبة، ولا أظُنُّ أحدًا يُبيحُ للمرأةِ أن تخرُجَ إلى النِّساءِ كاشِفةً صَدرَها وبَطنَها فوقَ السُّرةِ وساقَها). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/271). وقال أيضًا: (يجوزُ للمرأة أن تكشِفَ عند محارِمِها ما تكشِفُه عند النساء؛ تكشِفُ الرأسَ والرَّقَبةَ والقدَمَ والكَفَّ والذِّراعَ والسَّاقَ، وما أشبه ذلك، ولكِنْ لا تجعَل اللِّباسَ قصيرًا). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/276). ، وبه أفتَت اللَّجنةُ الدَّائِمةُ [71] جاء في فتاوى اللَّجْنة الدَّائِمة: (وقد دلَّ ظاهِرُ القرآنِ على أنَّ المرأةَ لا تُبدي للمرأةِ إلَّا ما تبديه لمحارِمِها، ممَّا جَرَت العادةُ بكَشفِه في البيت وحالَ المهنة- يعني الخدمة في البيتِ- كما قال تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ [النور:31] ). ((فتاوى اللَّجْنة الدَّائِمة - المجموعة الأولى)) (17/291).
الأدِلَّةُ:
أولًا: من الكِتابِ
قال تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ [النور:31]
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قولِه تعالى: أَوْ نِسَائِهِنَّ أي: المُسلِماتِ، يَرَينَ منها ما يرى ذو المَحرَمِ [72] يُنظر: ((تفسير يحيى بن سَلَّام)) (1/441)، ((الإكليلُ في استنباطِ التنزيل)) للسيوطي (ص: 192).
ثانيًا: أنَّ الذي جرى عليه عمَلُ نِساءِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ونساءُ الصَّحابةِ، ومن اتَّبَعهنَّ بإحسانٍ مِن نساءِ الأمَّةِ إلى عَصرِنا هذا، وما جَرَت العادةُ بكَشفِه؛ هو ما يظهَرُ مِن المرأةِ غالبًا في البيتِ وحالَ المِهنةِ، ويَشُقُّ عليها التحَرُّزُ منه [73] ((فتاوى اللَّجْنة الدَّائِمة - المجموعة الأولى)) (17/292).
ثالثًا: أنَّ التوسُّعَ في التكَشُّفِ عِلاوةً على أنَّه لم يدُلَّ على جوازِه دليلٌ مِن كتابٍ أو سُنَّةٍ؛ هو أيضًا طريقٌ لفِتنةِ المرأةِ والافتتانِ بها مِن بَناتِ جِنسِها [74] ((فتاوى اللَّجْنة الدَّائِمة - المجموعة الأولى)) (17/292).
 رابعًا: التوسُّعُ في التكشُّفِ فيه تشَبُّهٌ بالكافراتِ والماجناتِ في لباسِهنَّ [75] ((فتاوى اللَّجْنة الدَّائِمة - المجموعة الأولى)) (17/292).
خامسًا: أنَّ مِن الحياءِ المأمورِ به شرعًا وعُرفًا: تستُّرَ المرأةِ واحتِشامَها وتخَلُّقَها بالأخلاقِ التي تُبعِدُها عن مواقِعِ الفِتنةِ ومواضِعِ الرِّيبةِ [76] ((فتاوى اللَّجْنة الدَّائِمة - المجموعة الأولى)) (17/212).

انظر أيضا: