المبحث الثاني: الجزاءُ في الصَّيدِ
المطلب الأوَّل: تعريفُ المِثْلِيِّالمِثْليُّ: ما كان له مِثْلٌ مِنَ النَّعَمِ، أي: مُشابِهٌ في الخِلْقةِ والصورةِ؛ للإبِلِ أو البَقَرِ أو الغَنَمِ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ
: المالكيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقولُه تعالى:
هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: 95] وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ الذي يُتصوَّرُ أن يكون هديًا، هو ما كان مِثْلَ المقتولِ مِنَ النَّعَمِ، فأمَّا القيمةُ فلا يُتصَوَّرُ أن تكون هَدْيًا، ولا جَرى لها ذكرٌ في نفْسِ الآيةِ
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةعن
جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال:
((جعلَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الضَّبُعِ يُصيبُه المُحْرِمُ كَبْشًا ))
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا حَكَمَ في الضَّبُعِ بكبشٍ, عَلِمْنا من ذلك أنَّ المماثَلةَ إنَّما هي في القَدِّ وهيئةِ الجِسْمِ؛ لأنَّ الكَبشَ أشْبَهُ النَّعَمِ بالضَّبُع
المطلب الثاني: ما قَضى به الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم مِنَ المِثْليِّما قضى به الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم مِنَ المِثْليِّ؛ فإنَّه يجِبُ الأخذُ به
، وما لا نَقْلَ فيه عنهم؛ فإنَّه يَحكُمُ بمِثْلِه عَدْلانِ مِن أهلِ الخِبرةِ، وهذا مَذهَبُ الشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
، وبه قالَتْ طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ
، وهو اختيارُ
ابنِ عُثيمين
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الكِتابِقوله تعالى:
يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ [المائدة: 95] وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ ما تقدَّمَ فيه حُكمٌ مِن عَدلَينِ من الصَّحابةِ، أو ممَّنْ بعدهم، فإنَّه يُتَّبَعُ حُكْمُهم، ولا حاجةَ إلى نظَرِ عَدْلينِ وحُكْمِهما; لأنَّ الله تعالى قال:
يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ، وقد حكَمَا بأنَّ هذا مِثْلٌ لهذا؛ وعَدالَتُهم أوكَدُ مِن عدالَتِنا؛ فوجَبَ الأخذُ بحُكْمِهم
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةعن العِرْباضِ بنِ سارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((عليكم بسُنَّتِي، وسُنَّةِ الخُلفاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ ))
ثالثًا: أنَّ الصَّحابة رَضِيَ اللهُ عنهم إذا حَكَمُوا بشيءٍ، أو حَكَمَ بعضُهم به، وسكت باقوهم عليه؛ صار إجماعًا، وما انعقَدَ الإجماعُ عليه فلا يجوزُ الاجتهادُ فيه؛ ولأنَّ العُدولَ عما قَضَوْا به يؤدِّي إلى تخطِئَتِهم
رابعًا: أنَّ الصَّحابةَ رَضِيَ اللهُ عنهم شاهَدوا الوحيَ، وحَضَروا التَّنزيلَ والتَّأويلَ، وهم أقرَبُ إلى الصَّوابِ، وأبصَرُ بالعِلْمِ، وأعرَفُ بمواقِعِ الخِطابِ؛ فكان حُكْمُهم حُجَّةً على غيرِهم؛ كالعالِمِ مع العامِّيِّ
المطلب الثالث: ما يجِبُ في صيدِ الدَّوابِّ والطُّيورِ مِنَ الجَزاءِالفرع الأوَّل: ما يجِبُ في صيدِ الدَّوابِّ في النَّعامة بَدَنةٌ، وفي بَقَرِ الوَحْشِ وحمارِ الوَحْشِ بقرةٌ إنسيَّةٌ، وفي الضَّبُعِ كَبشٌ
، وفي الغَزالِ عَنْزٌ
، وفي الأرنبِ عَناقٌ
، وفي اليَرْبوعِ
جَفْرةٌ
، وفي الضَّبِّ جَدْيٌ
، وما لا مِثْلَ له، فإنَّه يحكُمُ بمِثْلِه حَكَمانِ عَدْلانِ، وهذا مَذهَب الشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
الأدلَّة
:أدلَّة أنَّ في النَّعامةِ بَدَنةًأوَّلًا: مِنَ الآثارِعنِ
ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: (أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ، وعليَّ بنَ أبي طالبٍ، وعُثمانَ بنَ عفَّانَ، وزيدَ بنَ ثابتٍ، قالوا في النَّعامةِ قَتَلَها المُحْرِمُ: بَدَنةٌ من الإبِلِ)
ثانيًا: أنَّه لا شيءَ أشبَهُ بالنَّعامةِ مِنَ النَّاقةِ؛ في طُولِ العُنُقِ, والهيئةِ، والصُّورةِ
أدلَّةُ أنَّ في بَقَرةِ الوَحشِ وحِمارِ الوَحْشِ بقرةً:أوَّلًا: مِنَ الآثارِ عنِ
ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (وفي البَقَرةِ بَقَرةٌ، وفي الحِمارِ بَقَرةٌ)
ثانيًا: أنَّ حِمارَ الوَحشِ وبَقَرةَ الوَحْشِ أشبَهُ بالبقرة؛ لأنَّهما ذوا شعْرٍ وذَنَبٍ سابغٍ؛ وليس لهما سَنامٌ؛ فوجب الحكمُ بالبَقَرةِ لقوةِ المُماثَلةِ، أمَّا الناقةُ فليست كذلك؛ فهي ذاتُ وَبَرٍ وذَنَبٍ قصيرٍ وسَنامٍ
أدلَّة أنَّ في الضَّبُعِ كَبشًا:أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةعن
جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال:
((جعَل رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الضَّبُعِ يُصيبُه المُحْرِمُ كَبشًا ))
ثانيًا: مِنَ الآثارِ1- عن
جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما: (أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه قضى في الضَّبُعِ بكبشٍ)
2- عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه قال: (في الضَّبُعِ كَبشٌ)
3- عنِ
ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال: (في الضَّبُعِ كَبشٌ)
4- وبه قضى:
ابنُ عمر, و
جابر, وقد بلغ
ابنَ الزُّبيرِ قولُ عُمَرَ فلم يخالِفْه، رَضِيَ اللهُ عنهم جميعًا
أدلَّة أنَّ في الظَّبْيِ عَنْزًا:1- عن
جابرِ بنِ عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهما: (أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه قضى في الضَّبُعِ بكبشٍ، وفى الغزالِ بعَنْزٍ)
2- عن
محمَّدِ بنِ سيرينَ: (أنَّ رجلًا جاء إلى عُمَرَ بنِ الخطَّابِ، فقال: إنِّي أَجْرَيتُ أنا وصاحبٌ لي فَرَسينِ نَسْتَبِقُ إلى ثُغْرةِ ثَنِيَّةٍ، فأصَبْنا ظبْيًا ونحن مُحْرمانِ، فماذا ترى؟ فقال عُمَرُ لرجلٍ إلى جَنْبِه: تعالَ حتى أحكُمَ أنا وأنت، قال: فحَكَما عليه بعَنْزٍ، فولَّى الرجلُ وهو يقول: هذا أميرُ المؤمنينَ لا يستطيعُ أن يحكُمَ في ظَبيٍ حتى دعا رجُلًا يحكُمُ معه، فسَمِعَ عُمَرُ قولَ الرَّجُلِ فدعاه، فسأله: هل تقرَأُ سُورةَ المائدةِ؟ قال: لا، قال: فهل تعرِفُ هذا الرَّجُلَ الذي حكَمَ معي؟ فقال: لا، فقال: لو أخبَرْتَني أنَّك تقرَأُ سورةَ المائدةِ؛ لأوجَعْتُك ضَرْبًا، ثمَّ قال: إنَّ اللهَ تبارك وتعالى يقولُ في كتابه
يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة: 95] وهذا
عبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوْفٍ)، وفي روايةٍ عن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه: (أنَّه حكَمَ هو و
عبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ في ظبيٍ بعَنْزٍ)
3- عن
جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: (أنَّ عُمَرَ قضى في الضَّبُعِ بكَبْشٍ، وفي الغزالِ بعَنْزٍ)
أدلَّة أنَّ في الأرنَبِ عَناقًا:1- عن
جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: (أنَّ عُمَرَ قضى في الضَّبُعِ بكَبشٍ، وفي الغزالِ بعَنزٍ، وفي الأرنبِ بعَناقٍ)
2- عنِ
ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: (أنَّه قضى في الأرنَبِ بعَناقٍ، وقال: هي تمشي على أربعٍ، والعَناقُ كذلك، وهي تأكُلُ الشَّجَرَ، والعَناقُ كذلك، وهي تجتَرُّ، والعناقُ كذلك)
3- وجاء أيضًا: عن
عبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ, وعمرو بن حبشي، وعطاء
أدلَّةُ أنَّ في اليَربوعِ جَفرةً:1- عن
جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: (أنَّ عُمَرَ قضى في الضَّبُعِ بكبشٍ، وفي الغزالِ بعَنْزٍ، وفي الأرنبِ بعَناقٍ، وفي اليَرْبوعِ بجَفْرةٍ)
2- عن
ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه: (أنَّه قضى في اليَرْبوع بجَفْرٍ أو جَفْرةٍ)
3- وجاء ذلك أيضًا: عن
ابنِ عمر، و
ابن عباس رَضِيَ اللهُ عنهم، وبه قال عطاء
دليلُ أنَّ في الضَّبِّ جَدْيًا:عن طارقٍ قال: (خَرَجْنا حُجَّاجًا، فأوطَأَ رجلٌ يُقال له أَربدُ، ضبًّا ففزَرَ ظَهْرَه، فقَدِمْنا على عُمَرَ، فسأله أربدُ، فقال عُمرُ: احكم يا أربَدُ، فقال: أنتَ خيرٌ مني يا أميرَ المؤمنين وأعلَمُ، فقال عمر: إنَّما أمَرْتُك أن تحكُمَ فيه، ولم آمُرْكَ أن تزكِّيَني، فقال أربدُ: أرى فيه جَدْيًا قد جمع الماءَ والشَّجَر، فقال عُمَرُ بذلك فيهـ)
الفرع الثاني: ما يجِبُ في صَيدِ الطُّيورِفي أنواعِ الحَمامِ
شاةٌ، عند أكثَرِ أهلِ العِلمِ
، وما عداه فإنَّه تجِبُ فيه القيمةُ، سواء كان أصغَرَ منه أو أكبَرَ، وهو مَذهَب الشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
، وقولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ
أدلَّة أنَّ في أنواعِ الحَمَام شاةٌ:الأدلَّة مِنَ الآثارِ:1- عن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه: (أنَّه حكم في الحمامةِ شاة)
2- عنِ
ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (في حمامةِ الحَرَمِ شاةٌ)
أدلَّة أنَّ ما كان أكبَرَ أو أصغَرَ من الحمامِ فإنَّ فيه قيمَتَه:أوَّلًا: مِنَ الآثارِ 1- عنِ
ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (في كلِّ طيرٍ دون الحمامِ قِيمَتُهـ)
2- وعنه قال: (ما كان سِوى حَمامِ الحَرَمِ، ففيه ثَمَنُه إذا أصابَه المُحرِمُ)
ثانيا: أنَّ ما كان أصغَرَ مِن الحمامِ أو أكبَرَ فيضمَنُ بالقيمةِ؛ لأنَّه لا مِثْلَ له مِنَ النَّعَمِ