المَطلَبُ السابع: ما يُسنُّ في الخُطبةِ
الفَرعُ الأوَّل: اعتمادُ الخطيبِ على قوسٍ أو عصًايُستحبُّ اعتمادُ الخطيبِ على قوسٍ أو عصًا
، وهو مذهبُ الجمهور: المالِكيَّة
، والشافعيَّة
، والحَنابِلَة
، واختاره
الصَّنعانيُّ
، و
ابنُ باز
، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّةعن الحَكمِ بنِ حَزْنٍ الكُلَفيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((وفدتُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأقمنا أيَّامًا شهِدْنا فيها الجُمُعةَ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقام متوكئًا على عصًا أو قوسٍ، فحمِدَ اللهَ، وأثْنَى عليه كلماتٍ طيِّباتٍ، خفيفاتٍ مباركاتٍ ))
ثانيًا: أنَّ الاعتمادَ على قوسٍ أو عصًا هو الأمرُ القديمُ الماضي من فِعلِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والخلفاءِ بعدَه
ثالثًا: أنَّ ذلك أعونُ له
رابعًا: أنَّ في ذلك ربطًا للقلبِ، ولبُعدِ يديه عنِ العَبثِ
الفرع الثَّاني: إقبالُ الخَطيبِ على النَّاسِ يُشرَعُ للإمامِ أنْ يَخطُبَ مستقبلًا أهلَ المسجدِ، ومستدبرًا القِبلةَ.
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّةأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، صلَّى على المنبرِ، قال سهلُ بن سعدٍ:
((فلمَّا فرَغ أقبلَ على الناسِ، فقال: إنَّما صنعتُ هذا لتأتمُّوا بِي، ولتَعْلَموا صَلاتِي ))
ثانيًا: مِنَ الِإِجْماعنقَل الإجماعَ على ذلك:
ابنُ رجب
الفَرعُ الثَّالث: توجُّه النَّاسِ إليه بأَبصارِهمْ يُستحَبُّ للمصلِّينَ استقبالُ الإمامِ إذا خطبَ
، وهو مذهبُ الجمهورِ: الحَنَفيَّة
، والشافعيَّة
، والحَنابِلَة
، وقولٌ للمالكيَّة
، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلِك
الأدلَّة:أولًا: من الآثارعن
أنسِ بن مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه كان إذا أخَذَ الإمامُ في الخُطبةِ يَستقبِلُه بوجهِه حتى يَفرَغَ
ثانيًا: أنَّه الذى يَقتضيه الأدَبُ، وهو أبلغُ في الوعظِ
ثالثًا: أنَّ ذلِك أبلغُ في سماعِهم، فاستُحبَّ، كاستقبالِ الإمامِ إيَّاهم
الفرع الرابع: رفْعُ الخَطيبِ صَوتَهيُستحَبُّ للخَطيبِ أنْ يَرفَعَ صوتَه في خُطبةِ الجُمُعة، وهذا باتِّفاق المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة
، والمالِكيَّة
، والشافعيَّة
، والحَنابِلَة
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّةعن
جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا خَطَب احمرَّتْ عيناه، وعلَا صوتُه، واشتدَّ غضبُه، حتى كأنَّه منذرُ جيشٍ، يقول: صبَّحَكم ومسَّاكم، ويقول: أمَّا بعدُ، فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ تعالى، وخيرَ الهُدَى هُدَى محمَّد صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وشرَّ الأمورِ مُحْدَثاتِها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ))
ثانيًا: أنَّه من أجلِ ذلِك شُرِعتِ الخُطبةُ على المنبرِ؛ لأنَّه أبلغُ في الإسماعِ
الفَرعُ الخامس: حُكمُ تقصيرِ الخُطبةِيُسنُّ تَقصيرُ الخُطبةِ
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن عَمَّارِ بنِ ياسرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: إنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ:
((إنَّ طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ، وقِصرَ خُطبتِه مَئِنَّةٌ
مِن فِقهِه؛ فأَطيلوا الصلاةَ، واقْصُرُوا الخُطبةَ ))
2- عن جابرِ بنِ سَمُرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((كنتُ أُصلِّي مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وكانتْ صلاتُه قَصدًا، وخُطبتُه قصدًا ))، وفي روايةٍ:
((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يُطيلُ الموعظةَ يومَ الجُمُعةِ، إنَّما هي كلماتٌ يسيراتٌ ))
ثانيًا: أنَّه أَوْعَى للسَّامعينَ، وأبعدُ للمَللِ عنهم
الفَرْع السَّادس: حُكمُ قِيامِ الخَطيبِ في الخُطبةِاختَلَفَ العلماءُ في حُكمِ قِيامِ الخَطيبِ في خُطبةِ الجُمُعة على أقوال، أقواها قولان:
القول الأوّل: أنَّ قِيامَ الخطيبِ حالَ الخُطبةِ شَرطٌ مع القُدرةِ عليه، وهو مذهبُ الشافعيَّة
، وقول الأكثر من المالكية
، واختارَه
القرطبيُّ من المالِكيَّة
، وهو روايةٌ عن
الإمامِ أحمدَ
، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلِك
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن سِماكٍ، قال: أَنبأنِي جابرُ بنُ سَمرُة رَضِيَ اللهُ عنه:
((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَخطبُ قائمًا، ثمَّ يجلسُ، ثم يقومُ فيخطبُ قائمًا. (قال جابر:) فمَن نبَّأك أنَّه كان يَخطُبُ جالسًا فقد كذَب؛ فقد- واللهِ- صليتُ معه أكثرَ من ألْفَي صلاةٍ! ))
2- قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((صَلُّوا كما رَأيتُموني أُصلِّي ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دَاوَمَ على القِيامِ للخطبة، وقد أَمَرَنا أن نُصلِّيَ كما صَلَّى
ثانيًا: مِن الآثارعن كَعبِ بنِ عُجرةَ: أنَّه دخَلَ المسجدَ وعبدُ الرحمنِ بنُ أمِّ الحكَمِ يخطُب قاعدًا، فقال: (انظُروا إلى هذا الخبيثِ يخطُب قاعدًا، وقال اللهُ تعالى:
وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا [الجمعة: 11] ؟!)
ثالثًا: أنَّه قد شُرِعَ الفصلُ بين الخُطبتينِ بالجلوسِ، فلو كان القعودُ مشروعًا في الخُطبتينِ ما احتِيجَ إلى الجلوسِ
رابعًا: أنَّ الخُطبةَ أحدُ فرضَيِ الجُمُعةِ؛ فوجب فيها القيامُ والقعودُ كالصَّلاةِ
القول الثاني: يُسنُّ أن يخطُب قائمًا، وهو مذهبُ الحَنَفيَّة
، والحَنابِلَة
، وقولٌ للمالكيَّة
، واختارَه
ابنُ عُثيمين
الأدلَّة:أولًا: من الكِتابقال الله تعالى:
وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا [الجُمُعة: 11] وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ الآيةَ تدلُّ على أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَخطُب قائمًا.
ثانيًا: من السُّنَّة1- عن سِماكٍ، قال: أَنبأنِي جابرُ بنُ سَمرُة رَضِيَ اللهُ عنه:
((أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَخطُب قائمًا، ثم يجلس، ثم يقومُ فيخطبُ قائمًا. (قال جابر:) فمَن نبَّأك أنَّه يَخطُب جالسًا فقدْ كذَب؛ فقد واللهِ، صليتُ معه أكثرَ من ألْفَي صلاةٍ! ))
2- عن
عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما، قال:
((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ خُطبتَينِ يقعُدُ بينهما ))
ثالثًا: أنَّ القيامَ في الخُطبةِ جرَى عليه التوارثُ مِن لدُنْ رسولِ اللهِ عليه السلام إلى يومِنا هذا
رابعًا: لأنَّه ذِكرٌ ليس من شَرْطِه الاستقبالُ فلم يجبْ له القيامُ كالأذانِ
الفَرعُ السابع: الجِلسةُ بيْنَ الخُطبتينِيستحبُّ الجلوسُ بين الخُطبتين
، ولا يجِبُ، وهو مذهبُ الجمهور: الحَنَفيَّة
، والمالِكيَّة
، والحَنابِلَة
، وبه قال أكثرُ أهل العِلمِ
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن جابرِ بنِ سَمُرةَ، قال:
((كانتْ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خُطبتانِ يَجلِسُ بينهما يقرأُ القرآنَ، ويُذكِّرُ الناسَ ))
2- عنِ
ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما:
((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ قائمًا، ثم يجلِسُ، ثم يقومُ- كما يَفعلونَ اليومَ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ هذا فِعلُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يُفيدُ النَّدبَ
ثانيًا: أنَّها جلسةٌ ليس فيها ذِكرٌ مشروعٌ؛ فلم تكُنْ واجبةً
ثالثًا: أنَّ جلوسَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان للاستراحةِ؛ فلم تكُنْ واجبةً
رابعًا: أنَّ المقصودَ من الخُطبةِ هو الوعظُ والتذكيرُ، وهو يَحصُلُ بدون هذا الجِلسةِ
الفَرعُ الثامن: الدُّعاءُ في الخُطبةِ يُستحَبُّ الدُّعاءُ للمسلمينَ في الخُطبةِ، وهو مذهبُ الجمهور: الحَنَفيَّة
، والمالِكيَّة
، والحَنابِلَةِ
، وقولٌ للشَّافعيَّة
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة عن حُصينِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ، عن عُمارَةَ بنِ رُؤيبةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه رأى بِشرَ بنَ مَرْوانَ على المنبرِ رافعًا يديه، فقال:
((قَبَّحَ اللهُ هاتينِ اليدينِ؛ لقدْ رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما يَزيدُ على أنْ يقولَ بيدِه هكذا، وأشارَ بإصبعِه المسبِّحةِ ))
وفي روايةٍ: يُشيرُ بإصبعيه يَدْعو
وفي روايةٍ أخرى: قال حُصينٌ: كنتُ إلى جنبِ عُمارةَ وبِشرٌ يَخطُبنا، فلمَّا دَعا رَفَعَ يديه
، وفي لفظ آخَر: رأى عُمارةُ بنُ رُؤيبةَ بِشرَ بنَ مَرْوانَ، وهو يَدْعو في يومِ جُمُعةٍ
وفي لفظ: فرَفَع يديه في الدُّعاءِ
وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ من السُّنَّةِ الإشارةَ بإصبعِه المسبِّحةِ عندَ الدُّعاءِ لا رَفْعَ اليدينِ، وفِيه إثباتُ الدُّعاءِ يومَ الجُمُعةِ
ثانيًا: لأنَّ الدُّعاءَ للمسلمينَ مسنونٌ في غيرِ الخُطبةِ؛ ففيها أَوْلى
ثالثًا: أنَّ الدعاءَ في الخُطبةِ جرى عليه عملُ المسلمين بنَقْلِ الخَلَفِ عنِ السَّلفِ
رابعًا: أنَّ الأصلَ عدمُ الوجوبِ، ومقصودُ الخطبةِ الوعظُ، وهو يَحصُلُ من دون الدُّعاءِ
خامسًا: أنَّه دُعاءٌ لا يجِبُ في غيرِ الخُطبةِ؛ فكذا فيها كالتَّسبيحِ
مسألة: حكم رَفْع اليَدينِ في الدُّعاءِ على المِنبَرِلا يُشرعُ للإمامِ رفْعُ يديه في خُطبة الجُمُعة، ويَكتفي بالإشارةِ بالإصْبَع، إلَّا إذا استسقى فإنَّه يَرفَعُ يديه، وهو مذهبُ الجمهور: المالِكيَّة
، والشافعيَّة
، والحَنابِلَة
، وقولُ بعضِ الحَنَفيَّة
الأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّة:1- عن عُمارةَ بنِ رُؤَيْبَةَ، أنَّه رَأَى بِشرَ بنَ مَرْوانَ على المنبرِ رافعًا يَديهِ، فقال:
((قبَّحَ اللهُ هاتينِ اليَدينِ، لقدْ رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما يَزيدُ على أن يقولَ بيده هكذا، وأشارَ بإصبعِه المسبِّحةِ ))
2- ما رواه
أنسُ بنُ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((أصابتِ الناسَ سَنَةٌ
على عَهدِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فبينما النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخطُب في يومِ الجُمُعة قام أعرابيٌّ، فقال: يا رسولَ اللهِ، هلَك المال، وجاعَ العِيال! فادعُ اللهَ لنا، فرفَع يَديه... ))الحديث