الموسوعة الفقهية

المطلب الخامس: حُكمُ الجُمُعةِ إذا كانَ مَن يُقيمُها فاسقًا أو مبتدعًا


تجِبُ الجُمُعةُ والسعيُ إليها، سواءٌ كان مَن يُقيمها سُنيًّا، أو مبتدعًا، أو عدْلًا، أو فاسقًا قال الشافعيُّ: (الجُمُعةُ خَلْفَ كلِّ إمامٍ صلَّاها من أميرٍ ومأمور، ومتغلِّب على بلدةٍ وغيرِ أميرٍ، مجزئةٌ) ((الأم)) (1/221). وينظر: ((المجموع)) للنووي (4/584)، ((المغني)) لابن قدامة (2/223).
الأدلَّة:
أولًا: من الكِتاب
قال الله تعالى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعة فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجُمُعة: 9]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
عمومُ الآيةِ ((المغني)) لابن قدامة (2/223).
ثانيًا: من السُّنَّة
عن أبي العَاليةِ البَرَّاءِ، قال: ((أخَّرَ زيادٌ الصلاةَ فأتاني ابنُ صامتٍ فألقيتُ له كرسيًّا فجَلس عليه فذكرتُ له صُنْعَ زيادٍ، فعضَّ على شَفتيهِ وضرَب على فخِذي، وقال: إنِّي سألتُ أبا ذرٍّ كما سألتَني، فضرَب فخِذي كما ضربتُ فخِذَك، وقال: إنِّي سألتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما سألتَني فضرَب فخِذي كما ضربتُ فخِذَك، فقال عليه الصَّلاة والسَّلام: صلِّ الصَّلاةَ لوقتِها، فإنْ أدركتَ معهم فصلِّ ولا تقُل: إنِّي صليتُ فلا أُصلِّي )) رواه مسلم (648).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
دلَّ الحديثُ على جوازِ الصَّلاةِ مع أئمَّةِ الجَورِ ((حاشية السندي على سنن النسائي)) (2/76).
ثالثًا: مِن الآثار
عن عُبَيدِ اللهِ بنِ عَديِّ بنِ خِيارٍ، أنَّه دخَلَ على عُثمانَ بنِ عَفَّانَ وهو محصورٌ، فقال: (إنَّك إمامُ عامَّةٍ، ونزَلَ بكَ ما ترَى، ويُصلِّي لنا إمامُ فِتنةٍ، ونَتحرَّجُ؟ فقال: الصلاةُ أحسن ما يَعمَلُ الناسُ، فإذا أحسنَ الناسُ فأَحْسِنْ معهم، وإذا أساؤوا فاجتنبْ إساءتَهم ) [5570] رواه البخاري (695).
رابعًا: مِنَ الِإِجْماعِ
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ قُدامةَ قال ابنُ قُدامَة: (تجِب الجمعةُ والسعيُ إليها، سواء كان مَن يُقيمها سنيًّا، أو مبتدعًا، أو عدلًا، أو فاسقًا.... ولا أعلم في هذا بين أهل العلم خِلافًا) ((المغني)) (2/223). وقال أيضًا: (الأصلُ في هذا عمومُ قول الله تعالى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ **الجمعة: 9**... وإجماعُ الصحابة رضي الله عنهم؛ فإنَّ عبد الله بن عُمرَ وغيره من أصحاب رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانوا يَشهدونها مع الحَجَّاجِ ونُظرائِه، ولم يُسمَع عن أحدٍ منهم التخلُّف عنها. وقال عبدُ الله بن أبي الهُذيل: تذاكَرْنا الجمعةَ أيَّامَ المختار، فأجمع رأيُهم على أن يأتوه، فإنَّما عليه كذبُه) ((المغني)) (2/223). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (لم يزلِ السَّلفُ والخلفُ يرَونَ الصلاةَ وراءَ المعتزلةِ ونحوِهم، ومناكحتَهم وموارثتَهم، وإجراءَ سائرِ الأحكام عليهم) ((المجموع)) (4/254). ، والشوكانيُّ قال الشوكانيُّ: (قد ثبَت إجماعُ أهل العصر الأوَّل من بقيَّة الصحابة ومَن معهم من التابعين إجماعًا فعليًّا، ولا يبعُد أن يكون قوليًّا، على الصلاة خلفَ الجائرين؛ لأنَّ الأمراء في تلك الأعصار كانوا أئمَّةَ الصلوات الخمس، فكان الناس لا يَؤمُّهم إلا أمراؤهم في كلِّ بلدة فيها أمير، وكانتِ الدولةُ إذ ذاك لبني أميَّة، وحالهم وحال أمرائِهم لا يَخفَى) ((نيل الأوطار)) (3/195). ، وحكاه ابنُ تيميَّة عن عامَّةِ السَّلَفِ والخَلَفِ قال ابنُ تيميَّة: (لو عَلِم المأمومُ أنَّ الإمام مبتدعٌ يدْعو إلى بِدعته، أو فاسقٌ ظاهرُ الفِسق، وهو الإمامُ الرَّاتب الذي لا تُمكِن الصلاةُ إلَّا خَلْفَه، كإمامِ الجُمعة والعيدين، والإمامُ في صلاة الحجِّ بعرفةَ، ونحو ذلك. فإنَّ المأمومَ يُصلِّي خلفَه عند عامَّة السلف والخلف، وهو مذهبُ أحمد، والشافعيِّ، وأبي حنيفة، وغيرهم. ولهذا قالوا في العقائد: إنَّه يُصلِّي الجمعةَ والعيدَ خلفَ كلِّ إمام؛ برًّا كان أو فاجرًا، وكذلك إذا لم يكن في القرية إلا إمام واحد، فإنَّها تُصلَّى خلفه الجماعات، فإنَّ الصلاة في جماعةٍ خيرٌ من صلاة الرجل وحده، وإنْ كان الإمام فاسقًا. هذا مذهب جماهير العلماء: أحمد بن حنبل، والشافعي، وغيرهما، بل الجماعة واجبةٌ على الأعيانِ، في ظاهر مذهب أحمد. ومَن ترَك الجمعةَ والجماعة خلفَ الإمام الفاجر، فهو مبتدعٌ عند الإمام أحمد، وغيرِه مِن أئمَّة السنة، كما ذكره في رسالة عبدوس، وابن مالك، والعطَّار) ((الفتاوى الكبرى)) (2/307، 308). وقال أيضًا: (والصَّحيح أنَّه يُصلِّيها، ولا يعيدها؛ فإنَّ الصحابة كانوا يصلون الجُمعة والجماعة خلف الأئمَّة الفجَّار ولا يُعيدون، كما كان ابنُ عمر يُصلِّي خلف الحجَّاج، وابنُ مسعود وغيرُه يُصلُّون خلف الوليدِ بن عُقبة، وكان يشرب الخَمرَ حتى إنَّه صلَّى بهم مرة الصبحَ أربعًا، ثم قال: أَزيدكم؟ فقال ابنُ مسعود: ما زِلنا معك منذ اليومِ في زيادة! ولهذا رفعوه إلى عثمان، وأمَّا إذا كان تركُ الصلاة يُفوِّت المأمومَ الجمعةَ والجماعة، فهنا لا يَترُك الصلاةَ خلفَهم إلَّا مبتدعٌ مخالف للصحابة رضي الله عنهم) ((الفتاوى الكبرى)) (2/308).
خامسًا: أنَّ الجُمُعةَ من أعلامِ الدِّينِ الظَّاهرةِ، ويتولَّاها الأئمَّةُ ومَن وَلَّوْه، فترْكُها خَلْفَ مَن هذه صِفتُه يُؤدِّي إلى سُقوطِها ((المغني)) لابن قدامة (2/223).
سادسًا: أنَّ الظاهِرَ من حالِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم أنَّهم لم يكونوا يُعيدونَ الجُمُعةَ، إذا صلَّوا مع الأئمَّةِ الفُسَّاقِ؛ فإنَّه لم يُنقَلْ عنهم ذلِك ((المغني)) لابن قدامة (2/224).
سابعًا: أنَّ الأصلَ عدمُ اشتراطِ العدالةِ، وأنَّ كلَّ مَن صَحَّتْ صَلاتُه لنَفْسِه صحَّتْ لغيرِه ((نيل الأوطار)) للشوكاني (3/195).

انظر أيضا: