الموسوعة الفقهية

فرعٌ: جِهادُ الطَّلَبِ


جِهادُ الطَّلبِ فَرضٌ على الكفايةِ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [30] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/241)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (5/76). ، والمالِكيَّةِ [31] ((مختصر خليل)) (ص: 88)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (3/188)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/272)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/173). ، والشَّافِعيَّةِ [32] ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/208). ، والحَنابِلةِ [33] ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/32). ، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك [34] قال ابنُ القَطَّانِ: (أجمَعَ المُسلِمونَ جَميعًا على أنَّ اللَّهَ فرَضَ الجِهادَ على الكافَّةِ، إذا قامَ به البَعضُ سَقَطَ عَنِ البَعضِ). ((الإقناع)) (1/334). وقال ابنُ رُشدٍ الحَفيدُ: (فأمَّا حُكمُ هذه الوظيفةِ فأجمَعَ العُلَماءُ على أنَّها فرضُ كِفايةٍ لا فرضُ عَينٍ، إلَّا عَبدَ اللَّهِ بنَ الحَسَنِ؛ فإنَّهُ قال: إنَّها تَطَوُّعٌ). ((بداية المجتهد)) (2/143). وقال الزَّيلَعيُّ: (الجِهادُ فرضُ كِفايةٍ ابتِداءً، يَعني: يَجِبُ علينا أن نَبدَأَهُم بالقِتالِ وإن لَم يُقاتِلونا؛ لقَولِه تَعالى وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كافَّةً [التوبة: 36] ... وعليه إجماعُ الأُمَّةِ) ((تبيين الحقائق)) (3/241). وخالَفَ في ذلك بَعضُ العُلَماءِ، قال الجَصَّاصُ: (فأمَرَ بالنَّفيرِ عِندَ الِاستِنفارِ، وهو موافِقٌ لظاهِرِ قَولِه تَعالى: يا أيُّها الذينَ آمَنوا ما لَكُم إذا قيلَ لَكُمُ انفِروا في سَبيلِ اللَّهِ اثَّاقَلتُمْ إِلَى الْأَرْضِ، وهو مَحمولٌ على ما ذَكَرنا مِنَ الِاستِنفارِ للحاجةِ إلَيهم؛ لأنَّ أهلَ الثُّغورِ مَتى اكتَفَوا بأنفُسِهم ولَم تَكُنْ لَهم حاجةٌ إلى غَيرِهم فليس يَكادونَ يَستَنفِرونَ، ولَكِن لَوِ استَنفَرَهمُ الإمامُ مَعَ كِفايةِ مَن في وجهِ العَدوِّ مِن أهلِ الثُّغورِ وجُيوشِ المُسلِمينَ؛ لأنَّهُ يُريدُ أن يَغزوَ أهلَ الحَربِ ويَطَأَ ديارَهم، فعَلى مَنِ استُنفِرَ مِنَ المُسلِمينَ أن يَنفِروا، وهذا هو مَوضِعُ الخِلافِ بَينَ الفُقَهاءِ في فرضِ الجِهادِ؛ فحُكيَ عَنِ ابنِ شُبرُمةَ والثَّوريِّ في آخَرينَ أنَّ الجِهادَ تَطَوُّعٌ وليس بفَرضٍ، وقالوا: كُتِبَ عليكُمُ القِتالُ ليس على الوُجوبِ، بَل على النَّدبِ، كقَولِه تَعالى: كُتِبَ عليكُم إذا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوتُ إن تَرَكَ خَيرًا الوصيَّةُ للوالِدَينِ والأقرَبينَ، وقد رُويَ فيه عَنِ ابنِ عُمَرَ نَحوُ ذلك وإن كانَ مُختَلَفًا في صِحَّةِ الرِّوايةِ عنه ... عَن أبي جُرَيجٍ، قال: قُلتُ لعَطاءٍ: أواجِبٌ الغَزوُ على النَّاسِ؟ فقال هو وعَمرُو بنُ دينارٍ: ما عَلِمناهـ). ((أحكام القرآن)) (4/311). وقال ابنُ قُدامةَ: (الجِهادُ مِن فُروضِ الكِفاياتِ في قَولِ عامَّةِ أهلِ العِلمِ. وحُكيَ عَن سَعيدِ بنِ المُسَيِّبِ، أنَّهُ مِن فُروضِ الأعيانِ). ((المغني)) (9/196). .
أوَّلًا: من الكتابِ
1- قَولُه تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ [البقرة: 216] .
2- قَولُه تعالى: اتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ [التوبة: 29] .
3 – قَولُه تعالى: انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة: 41] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الصَّارِفَ لهذه الآياتِ الثَّلاثِ عَنِ الوُجوبِ العَينيِّ إلى الكِفائيِّ الآيةُ الرَّابِعةُ الآتيةُ:
4- قَولُه تعالى لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ إلى قَولِه تعالى: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [النساء: 95] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
فاضَلَ سُبحانَه وتَعالى بَينَ المُهاجِرينَ والقاعِدينَ، ووعَدَ كُلًّا الحُسنى، والعاصي لا يوعَدُ بها، ولا يُفاضَلُ بَينَ مَأجورٍ ومَأزورٍ؛ فدَلَّ ذلك على أنَّ الجِهادَ فَرضُ كِفايةٍ [35] يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/209). .
ثانيًا: لأنَّه لَم يُشرَعْ لعَينِه؛ إذ هو قَتلٌ وإفسادٌ في نَفسِه، وإنَّما شُرِعَ لإعلاءِ كَلِمةِ اللهِ تَعالى، وإعزازِ دينِه، ودَفعِ الفَسادِ عَنِ العِبادِ، فإذا حَصَلَ مِنَ البَعضِ سَقَطَ عَنِ الباقينَ، كصَلاةِ الجِنازةِ، ودَفنِ المَيِّتِ، ورَدِّ السَّلامِ [36] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/241). .
ثالثًا: لأنَّ في اشتِغالِ الكُلِّ قَطعَ مادَّةِ الجِهادِ مِنَ الكُراعِ والسِّلاحِ، فيَنقَطِعُ الجِهادُ بسَبَبِ ذلك [37] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/241). .
رابعًا: لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانَ يَبعَثُ السَّرايا، ويُقيمُ هو وأصحابُه [38] يُنظر: ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (2/497). .

انظر أيضا: