الموسوعة الفقهية

المبحثُ الثَّالِثُ: قَتلُ الشُّيوخِ


لا يَجوزُ قَتلُ الشُّيوخِ الذينَ لا طاقةَ لَهم بالقِتالِ ما لم يُشارِكوا فيهِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [496] ((مختصر القدوري)) (ص: 232)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/ 245). ، والمالِكيَّةِ [497] ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/ 543)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 176). ، والحَنابِلةِ [498] ((الفروع)) لابن مفلح (10/ 255)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 623). ، وقولٌ عِندَ الشَّافِعيَّةِ [499] ((البيان)) للعمراني (12/ 131، 132)، ((النجم الوهاج)) للدميري (9/ 324). ، وهو قَولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ [500] قال ابنُ المُنذِرِ: (اختَلَفوا في قَتلِ الشُّيوخِ؛ فرُوِّينا عَن أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ أنَّه نَهى عَن قَتلِهم، وكَرِهَ قَتلَهم مالِكٌ، وأبو ثَورٍ، وأصحابُ الرَّأيِ. ورُوِّينا عَن مُجاهِدٍ أنَّه قال: كُنَّا نُنهى عَن قَتلِ كُلِّ فانٍ ووليدٍ). ((الإشراف)) (4/ 24).  وقال ابنُ بَطَّالٍ: (اتَّفَقَ مالِكٌ والكوفيُّونَ والأوزاعيُّ واللَّيثُ أنَّه لا يُقتَلُ الشُّيوخُ ولا الرُّهبانُ). ((شرح صحيح البخاري)) (5/ 171). ، وحُكِيَ فيه إجماعُ الصَّحابةِ ([501]( قال القُرطُبيُّ: (وللشَّافِعيِّ قَولانِ: أحَدُهما: مِثلُ قَولِ الجَماعةِ. والثَّاني: يُقتَلُ هو والرَّاهِبُ. والصَّحيحُ الأوَّلُ؛ لقَولِ أبي بَكرٍ ليَزيدَ، ولا مُخالِفَ لَه؛ فثَبَتَ أنَّه إجماعٌ). ((تفسير القرطبي)) (2/ 349). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
قَولُه تَعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعتَدِينَ [البقرة: 190] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أمَرَ اللهُ تَعالى بقِتالِ المُقاتِلينَ، ونَهى عَنِ الاعتِداءِ، ومَفهومُ الآيةِ أنَّ غَيرَ المُقاتِلِ لا يُقتَلُ؛ لأنَّ ذلك نَوعٌ مِنَ الاعتِداءِ المَنهيِّ عنه [502] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (9/ 311)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 623). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن بُرَيدةَ بنِ الحُصَيبِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا بعَثَ سَريَّةً يقولُ: ‌لا ‌َتَقتُلوا ‌َشَيخًا ‌كبيرًا)) [503] أخرجه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (135)، والخطيب في ((تاريخ بغداد)) (3/390) مطولًا، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (5184) واللفظ له. صحَّحه الطحاويُّ. .
ثالثًا: من الآثارِ
عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهُما، قال: (لا تَقتُلوا النِّساءَ ولا الصِّبيانَ ولا الشَّيخَ الكَبيرَ، ولا مَن ألقى إليكُمُ السَّلَمَ وكَفَّ يَدَه، فإن فعَلتُم هذا فقدِ اعتَدَيتُم) [504] أخرجه الطبري في ((التفسير)) (3/291) واللفظ له، وابن أبي حاتم في ((التفسير)) (1721). .
رابعًا: أنَّ المُبيحَ للقَتلِ هو القِتالُ، ولا يَتَأتَّى ذلك مِنَ النِّساءِ والصِّبيانِ وكِبارِ السِّنِّ في الغالِبِ [505] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (2/ 380)، ((تفسير القرطبي)) (2/ 349)، ((البناية)) للعيني (7/ 109). .

انظر أيضا: